الاسكندرية ؤالعصر الحديث والمعاصر
هذه هى الإسكندرية
وقت وصلها الفرنسيون فى سنة 1798، فلا عجب إذن أن رأيناهم يستولون عليها ويدخلونها بجيوشهم فى يسر وسهولة، فقد
كانت طابية قايتباى كما وصفها "المسيو سافارى Savary":
"لا تقوى على صد بارجة واحدة"
وكان قد زار الإسكندرية سنة 1777.
وأكد هذه الحقيقة
"المسيو فولنى Volney" الذى زار الإسكندرية سنة 1783 أى قبل
الحملة بخمسة عشرة عاماً حين قال إن هذه الطابية لا تصلح –رغم أبراجها العالية- للدفاع عن
المدينة، "إذ ليس بها سوى أربعة مدافع صالحة للضرب، وليس فيها رماة يحسنون
الرمى بالقنابل، وحاميتها المؤلفة من خمسمائة من الانكشارية هبط عددهم إلى
النصف".
ولا يختلف عن
هذا الوصف كثيراً ما كتبه "مسيو مور Mure"-
قنصل فرنسا فى مصر- فى تقريره الذى قدمه لحكومته فى سنة 1783، يرغبها فى المجئ إلى
مصر والاستيلاء عليها، فقد قال فيه: "إن مرافئ الإسكندرية خالية من القلاع
والمدفعية والذخائر، وليس بها من الجنود سوى الأهليين الذين انتظموا فى سلك الفرق
العسكرية المنشأة من عهد الفتح العثمانى، أما قلعة المنارة فهى من ظاهرها فخمة،
ولكنها تكاد تكون خالية من الحامية ومن الذخائر والمدفعية، والمدافع الباقية بها
لا تصلح للضرب، ولا تستعمل إلا فى أيام
الأعياد".
ففى أواخر القرن
الثامن عشر لم يكن باقياً من الإسكندرية القديمة العظيمة سوى الأطلال، وكانت قد
تحولت إلى مدينة صغيرة تقع شمالى المدينة القديمة، وتنحصر فى شبه الجزيرة التى بين المينائين الشرقية والغربية –
كما تحددها الصور التى رسمها علماء الحملة لها -، وكان "حدود هذا العمران
ينتهى شمالاً فى مقابلة شبه جزيرة رأس التين، فكانت جميع الجهات الواقعة بين البحر
شمالاً وشارع أبى وردة إلى جامع أبى العباس بعضها مدافن، وبعضها نقع، ولم يكن بها
مساكن سوى بعض بيوت الصيادين بالجهة المعروفة بالسيالة، وكان حد المدينة من الجهة
القبلية الحارة المعروفة الآن بحارة المغاربة قريباً من ميدان محمد على".
أما المدينة القديمة
التى كانت قد أصبحت خلاء أو شبه خلاء، فكان لا يزال يحدد معالمها السور القديم،
وكان طول هذا السور – كما قاسه علماء الحملة –
7893 متراً، وكان يتخلله مائة برج، ولا ترجع جميعاً إلى
عهد واحد، بل هى خلاصة جهود ملوك مصر وسلاطينها العظام فى
العصر العربى الطويل، ولم يكن هذا السور وقت وصول الحملة يحيط إلا بفضاء عظيم من
الخرائب "قد خلا من المساكن، فيسير فيه الإنسان عدة ساعات دون أن يرى من
معالم العمران سوى الأطلال، ولم يبق به إلا صهاريج المياه، وأربعة كفور يسكنها
خدام البساتين التى بداخل السور، وحراس القلاع والأبراج، وكان معظم هذه الأبراج
متخرباً، وفى السور ثغرات وفتحات سببها الإهمال وسوء الإدارة".
وقد عنى الفرنسيون
بالمدينة بعد استيلائهم عليها عناية خاصة، فرمموا أسوارها وأصلحوا حصون هذه
الأسوار وأبراجها، وعنوا بتحصين قلاع الساحل القديمة – وخاصة قلعة قايتباى وقلعة أبى قير-، ونصبوا
فيها مدافعهم الجديدة، وأنشأوا فى قلب المدينة القديمة قلعتين جديدتين على ذلكما
النهدين المرتفعين فى شرقيها وغربيها، القلعة الأولى على كوم الدكة، وسميت
"قلعة كرتيان" تخليداً لاسم بانيها "الكلونيل كرتيان"،
والثانية على كوم الناضورة، وسميت "قلعة كافريللى" تخليداًَ لاسم
المهندس الفرنسى المشهور "الجنرال كافريللى"، كما بنوا قلعة ثالثة فى
جزيرة العجمى مكان برج قديم متهدم كان قائماً بها.
وقد قام علماء الحملة
بدراسة المدينة كما وجدوها دراسة علمية مفيدة، ورسموا لها رسومات جغرافية هى أول
رسومات علمية دقيقة رسمت للمدينة ويمكن الاعتماد عليها عند دراسة طبوغرافية
المدينة، ثم كتبوا بحوثاً أربعة مفيدة نشرت فيما بعد فى كتاب الحملة القيم:
"وصف مصر Description
deL’Egypte".
وكان أول تغيير أصاب
المدينة القديمة وطبوغرافيتها تخطيط المنطقة المطلة على الميناء الشرقية (وهى
المنطقة الممتدة من ميدان محمد على إلى محطة الرمل الحالية" وإقامة المبانى
الحديثة عليها، فقد كان الجزء المطل على الميناء الشرقية من حى المنشية (وهو معروف
حينذاك بالحى الإفرنجى) لا يضم إلا بعض الوكالات القديمة المهدمة، فأزيل معظمها،
كما هدم قسم كبير من أسوار المدينة المطلة على البحر، لتحل محلها المبانى الجديدة،
وخطط ميدان جديد مستطيل الشكل طوله 800 قدم، وعرضه 150 قدماً وهو المعروف الآن
بميدان محمد على، "وشيدت المبانى به من كل جهة على الطراز الأوروبى، وبحسب
تصميمات هندسية متقنة، ويملك إبراهيم باشا بعض هذه المبانى الشاهقة، ويسكن بعض
قناصل الدول الكبرى البعض الآخر، ودار القنصلية الفرنسية تمتاز على دور القنصليات
الأخرى بمتانة بنائها وجمال هيئتها"، وبنيت على أحد جانبى هذا الميدان
الكنيسة الإنجليزية التى لا تزال موجودة إلى الآن، وأقيمت فى وسطه نافورة جميلة من
الرخام.
وهكذا بدأ العمران يمتد فى المدينة القديمة،
فبدأت الروح تعود إليها، وخاصة بعد أن أنشأ محمد على ترعة المحمودية التى تسير فى
معظمها مع الخليج الناصرى القديم، وكان هذا الخليج قد أهمل إهمالاً تاماً حتى
طمرته الرمال، وانقطعت بذلك المواصلات بين الإسكندرية وداخل القطر، وتم إنشاء هذه
الترعة فى سنة 1820 فأصبحت الإسكندرية بعد إنشائها وبعد إصلاح الميناء وتنظيمها، أكبر مدن مصر التجارية
وقد منح محمد على بعض من المصريين وبعض الأوروبيين الأراضى على جانبى هذه الترعة،
فأقاموا عليها المنازل تحيط بها الحدائق والمزارع، وهكذا امتد العمران مرة أخرى
إلى هذه المنطقة من المدينة القديمة.
وشغف محمد على حباً
بمدينة الإسكندرية لموقعها الممتاز، ولأهميتها الحربية والتجارية، فكان يؤثر
الإقامة بها، ولهذا بنى فى الطرف الغربى من جزيرة فاروس (رأس التين) قصراً عظيماً
جميلاً هو المعروف بسراى رأس التين، كما بنى محمد على وأبناؤه قصوراً كبيرة أخرى
فى أطراف المدينة، كان اهمها قصر
المحمودية، وقصر القبارى.
وكانت سراى رأس التين
تتكون من الحرملك، والديوان، والحجرات الخاصة بمحمد على والمسافرخانة التى أعدها
لضيافة كبار الزائرين والمسافرين وإكرامهم ومن هذه السراى كان محمد على يشرف على
دار الصناعة الجديدة أنشأها بعد موقعة تفارين – وقد أعادت هذه الدار أمجاد دور الصناعة التى شهدتها المدينة فى عصورها
المختلفة، ففيها أصبحت تصنع سفن الأسطول المصرى الكبيرة بعد أن كانت تستورد جميعاً
من أوروبا قبل ذلك.
وفى طرف جزيرة رأس
التين أمر محمد على بإقامة منارة كبيرة لهداية السفن، ارتفاعها 65 متراً، وقد
أشرف على بنائها المهندس المصرى النابغة
مظهر باشا.
وبعد إنشاء دار
الصناعة صدر أمر محمد على فى شعبان سنة 1242 (مارس 1827) إلى "بلال أغا –
ناظر الترسانة بالإسكندرية – بإنشاء مستشفى بالإسكندرية فى المحل الذى يستحسنه حكيمباشى الثغر".
وقد أنشئ هذا
المستشفى حيث يقوم المستشفى الأميرى الآن لمعالجة الجنود البحرية –
وكان يعرف بمستشفى المحمودية -، وأعد لكى يتسع لنحو ألف وخمسمائة مريض، كما كان
يتردد عليه الآهالى للعلاج، ونساؤهم الحوامل ليلدن به، ثم أنشئ بعد ذلك مستشفى آخر
للجنود البرية كان يعرف بمستشفى رأس التين، وكان يسع نحو 600 مريض.
وفى سنة 1831 انتشر
فى مدن مصر المختلفة – ومنها الإسكندرية – وباء الكوليرا، فقرر محمد على إنشاء محجر
صحى فى المدينة على نمط المحاجر أو المعازل الأوروبية، وقد عرف هذا المحجر فى ذلك الوقت باسم
"كورنتيله" أو "لازاريتو"، ومن الغريب أن دار الحجر الصحى
والذى أصبح مبنى الصحة العالمية قبل نقلها إلى القاهرة تقوم على القرب من مكان هذا
المحجر القديم فى الحى الذى مازال يحمل الاسم محرفاً "الأزاريطة" حتى
اليوم.
وكان من الطبيعى
وقد اتسعت المدينة ونظمت وكثر تعدادها أن
شملتها النهضة التعليمية التى شهدها عصر محمد على، فأنشئ بها فى عهده مدرسة
ابتدائية، وثانية تجهيزية، وثالثة للطب.
وفى عصر محمد على
أنشئ بريد يربط الإسكندرية بالقاهرة، وينقل رسائل الحكومة وبعض رسائل الأفراد، أما
رسائل التجار فقد كان ينقلها بريد آخر خاص يصل إلى القاهرة ثلاث مرات فى الأسبوع،
كما أنشئ خط تلغرافى بين العاصمتين لنقل الرسائل السريعة.
أعلام النهضة السكندريين منذ عهد محمد على:
محمد على باشا
(1768-1848)
مؤسس النهضة
المصرية
ولد
عام 1768 بمدينة قولة، وهو من أصل ألبانى، كفله عمه طوسون فى حداثة سنه بعد وفاة
أبيه رئيس الحرس، ثم كفله الشوربجى صديق والده وحاكم قولة. التحق بالجيش ورقى إلى
رتبة قومندان فرقة، ثم اشتغل بالتجارة إلى سنة 1801، وقد قرر الباب العالى إرسال
حملة تركية لطرد الفرنسيين من مصر بمساعدة إنجلترا، وكان محمد على أحد أفراد القوة
البحرية التى اشتركت فى واقعة أبى قير.
ولما خرج الفرنسيون من مصر رقى إلى رتبة لواء، وعين قائداً لأربعة آلاف جندى
ألبانى. ثم أرسله خسرو باشا إلى الصعيد لمحاربة المماليك غدراً به، إلا أن محمد
على بذكائه استطاع عزل خسرو سنة 1803. وبحكمته وحسن سياسته تحبب إلى الشعب. وقد
عينه السلطان العثمانى والياً على مصر عام 1805 فبدأ عملية تحديث وتطوير مصر، حيث
يمكن تقسيم حكمه إلى فترتين: ففى الفترة الأولى اهتم بترسيخ حكمه والقضاء على
المماليك، والثانية تركزت على البناء
والتوسع الاقتصادى والعسكرى، وعمل على إقامة سلطة مركزية وضعت القوانين فنشطت
التجارة فى عهده وكل ما تحقق فى عهد محمد على يدل على أنه كان صاحب عقلية سبقت
زمانها، وأصبحت مصر فى عهده قوة اقتصادية وعسكرية هامة فى المنطقة، كما اهتم
بالزراعة ليس للاكتفاء الذاتى فحسب بل وللتصدير، وبدأ فى إدخال الصناعة الحديثة
إلى مصر. كما بدء فى بناء الجيش وتقويته وتسليحه تسليحاً حديثاً وبنى القوة
البحرية كما أقام صناعات النسيج باستعمال القطن المصرى المحلى، ووضع برنامجاً
للتوسع العسكرى على طرق التجارة التقليدية حتى وصل إلى الحجاز، وقضى على ثورة
الوهابيين ضد السلطة العثمانية عام 1818 واحتل السودان لتأمين وضع مصر، حتى أصبح
قوة يخشاها السلطان العثمانى. وتركز سعى محمد على على الاستقلال عن الدولة
العثمانية مع الإبقاء على الاتصال الثقافى معها. وقد بعث محمد على فى مدة الـ 45
سنة التى حكمها روحاً جديدة فى مصر، ونهض بها فى شتى نواحيها ومرافقها، فعنى بالرى
والتعليم والجيش والمالية والتجارة والصناعة والهندسة والموسيقى والطب. وأنشأ لها
المدارس والمصانع وأوفد البعثات إلى أوروبا. كما استقدم إليها خيرة العلماء
والفنيين. وانتشرت فى البلاد آثاره الخالدة، وخير الأدلة الآثار الإسلامية التى
تزدان بجملة منشئات معمارية تحمل اسمه فى شتى نواحى مصر، من مساجد وأسبلة ومصانع
وحصون، وقصور وقناطر ودار للمحفوظات ودار
لسك النقود، ودرة الآثار جميعاً مسجده الذى يشرف على القاهرة من علياء والذى دفن
به عام 1848 بالإضافة إلى قناطره الخيرية بالقاهرة.
أحمد زكى باشا
( 1867 – 1934 م )
" شيخ العروبة "
ولد
بالإسكندرية وتخرج بمدرسة الحقوق بالقاهرة عام 1887 وأتقن الفرنسية وكان يجيد
الإنجليزية والإيطالية واللاتينية، والرائد المصرى الأول لإحياء الآداب العربية
والبحث عن ذخائر المخطوطات وتحقيقها، وهو العالمة الذى حقق عشرات القضايا والمواقف
والأعلام ، وهو أول مصرى عربى فى العصر الحديث زار "الأندلس" وأطلق
عليها ( الفردوس الإسلامى المفقود ) وصاحب المكتبة الذكية التى تضم 18 ألف مجلد ،
نقلت بعد وفاته إلى دار الكتب المصرية، وأول من أدخل "الترقيم" فى
كتاباتنا العربية الحديثة، والطواف الرحالة من الأستانة إلى برلين إلى باريس ألى
لندن من أجل التراث، وصاحب النسخة الأولى أو الثانية على الأقل من عشرات الكتب
العربية المفقودة، الرجل الذى صعد إلى القلاع، وزار المساجد والكنائس والمقابر
محققاً، للمواقع والآثار، والذى فتح له قصر "طوباقوبو بتركيا" بعد أربعة
قرون لنقل المخطوطات العربية، وصديق المستشرقين فى أنحاء العالم المعمورة، وهو
المترجم من الفرنسية، وقد سار شوطاً فى مجال الترجمة. وكان هذا هو عمله فيما بعد،
وهو الكاتب الذى آثر الصحافة اليومية على المجلات، والتأليف، وصاحب الأسلوب الجامع
بين العلم والطرافة والفكاهة والسخرية، والذى فاجأ القراء فى خلال أربعين سنة
بعشرات من الآراء المثيرة التى حققها ، والذى ترك أكثر من ألف مقالة مبعثرة فى
بطون الصحف والمجلات ، وقد تبين أن لدى الأهرام فهرساً كاملاً بها فى المؤيد
والمقطم والبلاغ والهلال والمقتطف والمشرق والمقتبس ومخطوطات الخزانة الذكية
وأضابيرها.
المرحلة الأخيرة من حياته ( 1921 – 1934 ) هى
أخصب الفترات، حيث نشر عشرات المقالات والأبحاث، وتوسع فى صلاته بزعماء العالم
العربى، وتوسط فى الخلاف بين اليمن والسعودية وانتدب لتحقيق الخلاف بين العرب واليهود،
فى شأن حائط المبكى وقضية البراق، وتوفى بالقاهرة عام 1934، ودفن فى قبر أعده
لنفسه فى مسجده بالجيزة ومن كتبه ، السفر إلى المؤتمر – وموسوعات العلوم العربية –
وأسرار الترجمة – وقاموس الأعلام القديمة، والدنيا فى باريس – وذيل الأغانى – ومصر
والجغرافيا – والتعليم فى مصر – وأربعة عشر يوماً سعداء فى خلافة الأمير عبد
الرحمن الناصر – ونتائج الأفهام فى تقويم العرب قبل الإسلام - والرق فى الإسلام –
وتاريخ الشرق – وقبيل الإعدام – وعجائب الأسفار فى أعماق البحار.
الشيخ عبد العزيز جاويش
[1876-1929]
من رواد التربية والصحافة والاجتماع
خرج من أحشاء الشعب،
ودفعه ذكاؤه وإيمانه بشخصيته أن يهجر التجارة ويكمل تعليمه بالأزهر ويتركه إلى دار
العلوم، فيبرز فيها شاعراً وخطيباً. فإذا تخرج كان من المبعوثين إلى أوروبا، وبعد
عودته يعين بالتفتيش بوزارة المعارف ثم يعود مرة أخرى مدرسا للأدب العربى بجامعة
كمبردج عام 1906 وتزوج عام 1907 وصفه الذين عرفوه بأنه جمع صفات السماحة والصراحة
والحياد والعنف، لكل موقفه ولكل موضعه، ويقول عنه تلميذه طه حسين : أنه كان عذب
الروح حلو الحديث فى صدق واحتشام شديد الحياء وحاد المزاج يثور لأقل ما يتوهم فيه
الغض من كرامته، على أنه كان من صفاء النفس وطيبة القلب وخلوص النية بالمكان
الأرفع، سمحا كريما يجود بقوته، وأكبر مظاهره شدة العاطفة الدينية والوطنية التى
تكاد تلتهب لو مست بأذى، رحل جاويش إلى ألمانيا واضطر أن يحتطب فى الغابات ليكسب
رزقه، وفر من تركيا معدما لا يملك قوت يومه وعاد إليها فى عهد جديد فرفع مكاناً
عالياً، وفى مصر لا يفتأ أن ينتقل بين السجن والبيت فهذا وذاك له منزل، وهو عضو فى
كل الجمعيات الخيرية والنقابات. والإحسان فيه داء لا يهدأ فهو ينفق كل موارده فى
إغاثة المنكوبين، شفوق على الضعفاء، يفيض الدمع من عينيه عند سماعه شكاية
البائسين. هاجم الاتجار بالأوسمة والألقاب وبلغ من تمسكه بملبسه وزيه أن أقام فى
اكسفورد سبع سنوات يلبس العمامة والجبة ز يلقى الملوك بالرفعة والعزة ويلقى
الفقراء والضعاف بالتواضع ويسعى معهم إلى أمورهم. وصفه رشيد رضا رغم الصراع العنيف
بينهما بأنه من أركان حزب الإصلاح المعتدل، وقالت صحف الغرب: أنه رجل اقتبس مبادئ
التجديد من الغرب أكثر من أى إنسان حتى أصبح بين قومه فيلسوفا، واعترف له أعلام
الفكر فى إنجلترا بالنبوغ وأنه عالج وظيفته كمراقب للتعليم الأولي فى مصر عام 1926
بقدرة وهمة، وقام بواجبه بجد وأمانة، وكانت فى أعماقه صورة جمال الدين الأفغانى
حية نابضة كأنما كان يخطو وراءه خطوات، وقد أتيح له أن يلقى مثل ما لقى من المشاق
واستطاع أن يجمع أيضا أسلوب محمد عبده فى التربية وبناء النفوس، وقد دعا فى
المؤتمر الوطنى الذى انعقد فى يناير 1910 إلى ضرورة إنشاء مدارس البساتين (رياض
الأطفال) وقال أن هذه المدارس هى التى تبنى التعليم فى مصر، وقد وجه جاويش جهده
منذ اليوم الأول لعمله فى جريدة اللواء إلى بث فكرة التربية كأساس للتعليم ولرفع
مستوى الحياة الثقافية.
عبد الله النديم
[1845-1896]
خطيب الثورة العرابية
ولد بالإسكندرية عام
1845 لأب عمل نجاراً وخبازاً، أرسله والده لمسجد الشيخ إبراهيم لحفظ القرآن ودراسة
العلوم الدينية، إلا أنه أظهر ميلا لدراسة الأدب وتذوقه، فتردد على مجالس الأدباء وكتب ونظم الشعر والزجل،
ساعده عل هذا ذكاء فطرى وحافظة قوية ، ولم تكن مهنته الأدب تدر الرزق. فعمل
تلغرافيا بالقاهرة، مما أتاح له الالتقاء بسامى البارودى ومحمود الساعاتى وعبد
الله باشا فكرى والشيخ أحمد وهبى. فى سنة 1879 أحس الحنين إلى الإسكندرية وهى ليست
أقل نشاطا من القاهرة، فيها جمعيات خيرية وطنية أهمها مصر الفتاة وهى جمعية تهدف
إلى الإصلاح تعمل فى سرية وبها صحف عربية مثل الأهرام، وجريدة مصر التى أنشأها
أديب إسحاق ويحررها سليم نقاش ، وكان جمال الأفغانى وتلميذه محمد عبده ينشرون
مقالاتهم فى جريدة مصر وأيضا عبد النديم، وكانت الأفكار كلها متجهة فى هذا العصر
إلى أن السر فى تأخر مصر والمصريين إنما هو الجهل والخرافات المنتشرة، ولهذا كانت
الدعوة التى تردد على الألسن هى العمل على نشر التعليم. وفى عام 1879 أنشأ النديم
الجمعية الخيرية الإسلامية وغرضها تربية الناشئة وبث روح المعرفة فيهم، وأنشأت
الجمعية مدرسة بالثغر لتعليم الأيتام والفقراء بالمجان وعين النديم مديرا لها
ورتبت لها وزارة المعارف إعانة سنوية بعد زيارة الخديوى توفيق للمدرسة. واتجه
النديم إلى الفن تأليفا وترجمة وتمثيلا فألف روايتين هما الوطن وطالع التوفيق
والعرب. واشترك فى تمثيلهما مع تلاميذه على مسرح زيزينيا فى وجود الخديوى. غير أن
الأيام لم تصف للنديم فقام خلاف بينه وبين رجال الجمعية وانفصل عنها، وأنشأ جريدة
التنكيت والتبكيت فى يونيه 1881 وهى أسبوعية أدبية هزلية هجومها تنكيت، ومدحها
تبكيت، وقامت الثورة العرابية فوجدت صدى قويا عند النديم ـ فرحل إلى القاهرة واتصل
بعرابى وأصدر جريدة الطائف وأصبح خطيب الثورة المفوّه ولسانها الناطق . ووقعت
الحرب بين الإنجليز والمصريين، وتقهقر عرابى إلى كفر الدوار فالتل الكبير ولحقه
النديم، إلا أن الثورة العرابية أخفقت وقبض على زعمائها وفر النديم لتسع سنوات
ينتقل من بلدة ومن دار إلى دار دائم التنكر وألف فى هذه الفترة كتابه الممتع
"كان ويكون" وهى قصته فى الوفاء وصدق العزيمة. وفى عام 1891 قبض عليه
أثر وشاية وحقق معه قاسم أمين بصفته رئيس النيابة آنذاك وأحسن معاملته وأصدر توفيق
أمرا بنفيه، ولما توفى وولى العرش عباس حلمى عفا عن النديم وسمح له بالعودة،
والتقى بمصطفى كامل، وأنشأ صحفية الأستاذ عام 1892 لمؤازرة توفيق إلا أن الإنجليز
أبعدوه إلى يافا ومنا إلى الأستانة بتركيا فألتقى بأستاذه القديم جمال الدين
الأفغانى الذى تعلق وارتبط به، وأدركه مرض السل واشتد به ولى نداء ربه فى أكتوبر
1896 ودفن بالأستانة.
الشيخ سلامة حجازى
(1852-1917)
مؤسس النهضة الغنائية المسرحية
ولد سلامة التين
بالإسكندرية، نشأ يتيماً بعد وفاة والده بثلاث سنوات، فى مجتمع تسوده الفضائل
وتوجهه الروحانيات وتحوطه تلاوة القرآن والصلوات، ألحق بالمدرسة الرمزية لتعلم
القراءة والكتابة وحفظ القرآن، واشتغل صبياً لحلاق الحى المعلم فراج، وكانت حلقات
الذكر هى التى بعثت فى سلامة أول أثر فنى اتجه به نحو الموسيقى والغناء سر موهبته،
وكانت لآلة السلامية موضع خاص فى قلب الطفل وهى قصبة مجوفة من الغاب مفتوحة
الطرفين بها ستة ثقوب شائعة الاستعمال فى الموالد والأذكار، كما تأثر وتعلق بصوت
الناى العاطفى الرقيق وبنغماته الشجية، فاندفع إلى تعلمه حتى أجاده، واحتضنه كامل
الحريرى شيخ المنشدين بعد أن لاحظ حلاوة صوت هذا الصبى واستعان به لتأدية الآهات،
وشاءت عناية الله أن يهتم بدراسة الموسيقى، ولم يتشبت بالإنشاد خلال فترة المراهقة
اللهم حفظ الأذكار وتأديتها على الناى والسلامية، وعندما بلغ السادسة عشرة تشعبت حياته
الفنية لثلاث شعب، تلاوة القرآن وأداء الآذان وإنشاد القصائد والمدائح النبوية،
وقد تنبه الناس إلى رقة صوته وحلاوة أدائه.
فأسند إليه افتتاح
حلقات الذكر بتلاوة القرآن وتهافتوا عليه ليقرأ لهم فى منازلهم بأجور مجزية، أتاحت
له تحمل مسئولية الإنفاق على أسرته، وتزوج سلامة من فتاة أحلامه عائشة وكان فى
الثانية والعشرين من عمره ورزق بمولوده الأول محمد، وعلت مكانته وارتدى القبة
والقفطان ولقب بالشيخ وجمع بين الدين والفن، وأصبح موضع تقدير وإجلال من الجماهير،
ودفعته رغبة ملحة للغناء فوق التخت تصاحبه الآلات، ولاقى النجاح وغمرت شهرته
الأوساط... إلى أن كان حريق الإسكندرية عام 1882 فهاجر إلى رشيد وتقلب الدهر عليه
حيث توفى ولده محمد ولحقت به الأم عائشة، فعاد إلى الإسكندرية، وصعد نجمه وعمت
شهرته وتوثقت صلته بأعلام الفن والغناء عبد الحامولى ومحمد عثمان وإبراهيم القبانى
وداوود حسنى ومحمد السبع وغيرهم وسجل الشيخ بصوته الكثير من الأدوار الخالدة على
اسطوانات أوديون وانضم الشيخ سلامة إلى فرقة قرداحى المسرحية عام 1885، وانتقل
بالأغنية والقصيدة من جو التخت إلى المسرح الفسيح، واشترك فى مسرحية "مى
وهوراس" التى استمر تمثيلها فى الأوبرا ثلاثين ليلة متتالية، كان الإقبال
عليها مطرداً، وأخرج المسرحيات الغنائية فى روايات هارون الرشيد –
عائدة – الظلم – ليلى وغيرها. وانفصل الشيخ عن فرقة القرداحى
وكون فرقة أدارها بنفسه فى عام 1891 ثم انضم لفرقة إسكندر فرح حتى عام 1905.
سيد درويش
(1892-1923)
رائد الموسيقى
العربية
ولد سيد درويش فى الإسكندرية بحى كوم الدكة
سنة 1892، وكان لنشأته الشعبية أثر كبير فى انتمائه. بدأ بحفظ القرآن الكريم منذ
طفولته بالمعهد الدينى بالإسكندرية، ولم يستكمل دراسته بسبب وفاة والده، وبدأ يرتل
القرآن الكريم بصوته المعبر السليم فى بعض البيوت نظير أجر، لجأ إلى الغناء فى
"القهوة" وهى النادى الذى يجمع المواطنين لشرب المشروبات والترفيه
بالاستماع إلى الجوقة التى تغنى بعض الألحان الجماعية. أو الاستماع إلى فرقة
غنائية تتكون من أحد المغنين بمصاحبة عدد من العازفين، ولقد اشتغل مع أحد
المقاولين كعامل مناول للطوب ومواد البناء، ومن هذه التجربة اكتسب روح التعاون
والمحبة من أجل لقمة العيش، وغنى معهم ألحان البنائين التى اكتشفها فى حياته
العملية مع أهل الحى، حياة السقايين والنجارين والشيالين والصنايعية، إن أهم ما
يميز ألحان هؤلاء الحرفيين هو عنصر الإيقاع الموسيقى النابع من لهجة كلامهم العادى
والذى كساه الموسيقار سيد درويش بالنغم، وأبدع أغانيه هى التى لحنها من صميم حياة
الحرفيين.
خرج سيد درويش إلى الحياة فتفتحت مداركه على
أنواع من الموسيقى تختلف عن تلك التى تغذت روحه من ينابيعها فى بيئته بكوم الدكة.
أنشأ الشيخ سلامة حجازى فرقته التمثيلية الغنائية الخاصة سنة 1905 وقدم سيد درويش
لأول مرة للجمهور سنة 1916 حيث قال الشيخ سلامة حجازى للجمهور احفظوا اسم هذا
الشاب، واذكروا أنى فخور به معتز به.
قبل أن يلحن للمسرح الغنائى تأثر بتراث
الموشحات العربية الموروثة، وقد تعرف عليه من أوساط المشايخ والموسيقيين المحترفين
فى العالم الطرب والتلحين، فأبدع سيد درويش أحد عشر موشحاً تعتبر من التراث الهام
وأبدع عشرة أدوار غنائية مع العناية بالتعبير الموسيقى لمعانى الكلمات مع بساطة
ووضوح الأداء الذى يخدم التعبير لكى يستعرض بها مهاراته فى الأداء، ومن هذه
الأدوار "ضيعت حياتى" "أنا عشقت" "أنا هويت
وانتهيت" كما أبدع سيد درويش العديد من الأغانى الخفيفة "الطقاطيق"
التى استوحاها من التراث، واتجه إلى التلحين للمسرح الغنائى حيث وجد الآفاق
لازدهار موهبته فى التصوير الموسيقى لأبعاد الشخصيات المسرحية، لذا يعتبر
الموسيقار الأول الذى طور الأسس الفنية المتكاملة لهذه الأشكال الغنائية المسرحية.
كما يعتبر رائد التجديد فى المسرح الغنائى
ولقد بلغ ذروة نضجه فى التلحين مسرحية "شهر زاد" ومسرحية
"البروكة" كما تأثر تأثراً عميقاً بالأحداث السياسية والاجتماعية التى
عاشها فى عصره، فعبر عن انتفاضة الشعب المصرى بكل فئاته فى ثورة سنة 1919 دعماً
للزعيم المصرى سعد زغلول للتخلص من
الاحتلال البريطانى
وتحقيق الاستقلال. كما انعكست فى ألحانه التغيرات الاجتماعية التى نادت بتحرير
المرأة المصرية ودعوتها إلى المشاركة فى بناء المجتمع.
وقد أدرك
أن ثقافته الموسيقية المصرية جزء من الثقافة الموسيقية العربية فعمق دراسته لها
أثناء رحلاته إلى البلاد العربية عام 1923.
على باشا إبراهيم
(1880-1947)
رائد النهضة الطبية الحديثة
أصل أبويه من فوه.
ولد بالإسكندرية عام 1880، وحصل منها على الابتدائية عام 1892 وتخرج من مدرسة الطب
عام 1901 وقت أن كان نفوذ الطب الأجنبى طاغياً، أجرى أكثر من 35000 جراحة. وحظى
بثلاثة عشر وساماً من دول أجنبية، ونال
دون تقدم للامتحان أرقى ثلاث مؤهلات طبية فخرية. ابتدأ حياته من طبيب أوبئة إلى مدير مستشفى إقليمى إلى رئيس للبعثة الطبية المصرية فى حرب
البلقان. إلى مساعد جراح بمستشفى القصر العينى، إلى أستاذ للجراحة فيه ومديراً له،
إلى عميد لكلية الطب، إلى صديق شخصى لأكابر الجراحين فى العالم، إلى وزير للصحة
إلى مدير للجامعة، خدمته النهضة المصرية عام 1919 فى جهودها لتقويض النفوذ الأجنبى وإقامة دعائم للنفوذ
الوطنى.
وقد عمل الدكتور على باشا إبراهيم على نشر
الثقافة الطبية بعدة رسائل، فاجتمع هو وزملاء له سنة 1917 وقرروا إصدار مجلة طبية
عرفت باسم المجلة الطبية المصرية - وهو
صاحب الامتياز للمجلة، واقترح بعد ذلك تكوين الجمعية الطبية المصرية فتكونت عام 1920. وأختير رئيساً له. ولم تقتصر جهوده
على الناحية الطبية بل اتجه فى خدمة المجتمع، فقد جمع أهل المهن الطبية وحثهم على الانضمام إلى ثورة 1919
وخاضوا غمارها مع بقية طوائف الشعب. وجند الأطباء لجمع التبرعات. وكان من أثر ذلك
تشييد مصنع القرض للطرابيش ومصنع القرش لغزل
الصوف. وهما يومئذ مشروعان اقتصاديان لهما شأن عظيم.
وفى
الوقت الذى بلغ فيه التفاخر بالأنساب والأحساب أشده كان الدكتور على
إبراهيم يفخر بأصله المتواضع، بأبيه الفلاح وأمه الإسكندرانية وبأخواته وإخوته.
وكانت صورة أمه تعلو مكتبه لآخر أيام حياته، وكان الدكتور على باشا إبراهيم شغوفاً
بالأدب والشعر والفنون الجميلة كالتصوير والنحت والموسيقى والغناء. ومشجعاً على
حضور الندوات والمناظرات الأدبية والفنية ومعتقداً أنها الوسيلة الأولى لارتقاء
الجوانب الوجدانية والنفسية عند الإنسان، كما كان ينصح مرضاه بضرورة مزاولة
الإحساس والسماع
الموسيقى والغناء لأهميتهما فى رفع معنويات
المرضى. لاسيما من أجريت لهم جراحات فهى تساهم فى تخفيف الآلام.
ولم يكد على إبراهيم
يتولى عمادة الطب عام 1929 حتى راح يجاهد ويجامل ويحرك الأمور بلطف حتى أتيح له
الحصول على الاعتمادات اللازمة لبناء مستشفى المنيل الجامعى. وكان كلما فرغ من
بناء بدأ فى آخر مستخدماً كل السبل والطرق المؤدية إلى تنفيذ طموحاته. وكان يضع
السلطة أمام الأمر الواقع حيث كان بذكائه ودبلوماسيته يقضى حاجة كل وزير فى
المستشفى والكلية بأسرع من البرق وما اكثر طلبات الوزراء والأعيان والأشراف فى هذه
النواحى. وسهلاً عليه أن يحقق لهم أغراضهم ولكن بعد أن يكون قد نال من أى منهم
للكلية وللمستشفى أية ميزة أو من الضرورة بمكان الحصول على أى اعتماد يكون من شأنه
القدرة على مزيد من البناء، ولذلك فإنه استطاع أن ينتشل الطب المصرى من الذل
والهوان من أيدى الأجانب الغرباء والذين كانوا يمثلون الغلبة والنفوذ، وانتقل الطب
إلى أيدى المصريين منذ هذه الفترة وأخذ الدم المصرى يملأ شرايين كلية الطب على
أيدى على إبراهيم صاحب الأنامل العبقرية التى عملت بمهارة وحذق الفنان فى الجراحة،
ولاشك أن التقدم العلمى اليوم للأطباء المصريين فى دول أوروبا وأمريكا مرجعه بعد
النظر الذى كان يميز شخصية على إبراهيم زعيم النهضة الطبية فى مصر والعالم العربى
والأفريقى. وصاحب السجل الحافل بمئات من صفحات
المجد والفخار.
السيد/ محمد كريم
بطل المقاومة الشعبية
وقف هذا المجاهد
الوطنى فى وجه الحملة الفرنسية الاستعمارية التى قادها نابليون بونابرت عام 1798مفوضاً من حكومة بلاده لاحتلال البلاد
المصرية، وتزعم السيد/ محمد كريم حركة المقاموة الشعبية منذ وطأت اقدام الغزاة أرض
بلاده وبذل حياته فداء لوطنه وكان من الشهداء الخالدين.
وولد السيد/ محمد
كريم بحى الأنفوشى بالإسكندرية قبل منتصف القرن الثامن عشر الميلادى وعين حاكماً
للإسكندرية ومديراً لجماركها.
وفى يوم 19 مايو 1798
أقلع أسطول فرنسى كبير مكون من 26 سفينة من ميناء طولون وبلغ الإنجليز هذا النبأ
وتوجسوا من هذه الحملة خيفة وعهدوا إلى نيلسون باقتفاء أثرها وتدميرها، فقصد إلى
مالطة وعلم هناك أن مركب نابليون غادرتها نحو الشرق منذ خمسة أيام فرجح أنها تقصد
الإقليم المصرى واتجه إلى الإسكندرية وبلغها يوم 28 يونيو 1798 فلم يعثر هناك
للفرنسيين على أثر.
وقد وصل الأسطول الفرنسى غرب الإسكندرية عند
العجمى فى أول يوليو 1798 وبادر بإنزال قواته ليلاً غ البر ثم سير قسماً من جيشه
إلى الإسكندرية وصد نابليون على الربوة المقام عليها عمود السوارى وكان ممثلى ***
الإسكندرية وشاهد الأهلين محتشدين بأعلى الأسوار فأصدر أوامره بالهجوم العام.
وظل محمد كريم يقود المعركة ثم اعتصم بقلعة
قايتباى ومعه فريق من المقاتلين حتى فرغت ذخيرته فكف عن القتال ولم يكن بد من
التسليم ودخل نابليون المدينة وأعلن بها الأمان.
وفى 6 سبتمبر 1798 تم تنفيذ عقوبة الإعدام بأن
أصدر نابليون بونابرت هذا الأمر ونفذ فى السيد محمد كريم بميدان الرميلة بالقاهرة.
وهكذا انتهت حياة هذا الشهيد الشجاع.
حسن الإسكندرانى "أمير البحر"
ولد زكريا حسن الاسكندرانى بالإسكندرية عام
1790م ثم أرسل فى فجر شبابه عام 1818 فى بعثة بحرية إلى ثغر طولون بفرنسا حيث كان
يتخرج ضباط البحرية الفرنسية. وفى كلية طولون البحرية درسوا فن البحر والرياضيات
وتدربوا فى دار الصناعة "الترسانة" وفى السفينة المدرسية خارج الميناء.
وبعد البعثة أسندت غليه إحدى المراكب الصغيرة التى كانت تسمى بالأباريق.. فاستطاع
أن يأسر بها سفينتين يونانيتين ويعود بهما إلى الإسكندرية ومنحته الدولة داراً بحى
"أبو وردة".
وفى 20 أكتوبر 1827 حدثت موقعة نفارين البحرية
المعروفة وكان حسن الإسكندرانى قائداً للسفينة الحربية المصرية (إحسانية) إحدى سفن الأسطول المصرى
الذى يقوده محرم بك وعدد قطعه 31 سفينة وفى الموقعة التى دبرها الإنجليز لتحطيم
الأسطول المصرى وما كان معه من السفن التركية كى لا تنافسهم تلك القوة الناشئة فى
سيادة البحر. وأشرك الإنجليز معهم فى تلك الموقعة الأسطولين الفرنسى والروسى بحجة
حماية استقلال اليونان.
وبدأ التحدى.. فرست السفن الإنجليزية
والفرنسية على مقربة من السفن المصرية والتركية فى صفوف وكانت المراكب المصرية
راسية فى الوسط والأسطول العثمانى إلى يمينها ويسارها على شكل هلال كبير، فكان
المصريون بهذا الوضع مقيدين يعوزهم المكان الفسيح اللازم لتحركاتهم وأكثر
استهدافاً لمدافع العدو.
وأطلقت السفينة الفرنسية "سيرين"
أول قذيفة على "إحسانية" المقيدة فى مكانها وردت إحسانية على
هذه الضربة بمثلها
واستمرت بقيادة حسن الإسكندرانى تطلق مدافعها إلى النهاية وتحطمت فى هذه المعركة
24 سفينة ولكن لمن تستسلم للعدو سفينة واحدة ولم تؤسر سفينة واحدة ولا جندى مصرى
واحد فى هذه الواقعة التاريخية التى شبت غدراً ولم تشرف المعتدى.
وفى يونيو 1837 عين
حسن الإسكندرانى وزيراً للبحرية، وفى نوفمبر 1838 كان الأسطول المصرى بفضله فى
مقدمة أساطيل العالم بعد أسطول إنجلترا وفرنسا.
والواقع أن تحصين
الإسكندرية وشواطئها وضواحيها ومنها بوقير يرجع الفضل فيه كله تقريباً إلى يقظة
حسن الإسكندرانى المستمرة ثم إلى مساعديه، ويوجد بحديقة الخالدين الآن تمثالاً
تخليداً لذكره.
قاسم أمين
(1836م-1908م)
كان المصلح الاجتماعى قاسم أمين والمقرون اسمه بحرية تحرير
المرأة – سكندرى المولد والنشأة. وقد وضع عن سيرته
وجهوده عدد من الكتب وكتب عنه الكثير من المقالات والدراسات وخلدت أعماله وكتاباته
ذكره.
ولد قاسم أمين
بالإسكندرية فى أول ديسمبر عام 1863 وسافر إلى فرنسا لدراسة القانون فيما بين عامى
1882-1885 وهناك لمس الحريات التى سادت المجتمع الفرنسى سواء فى مشاركة المرأة
الرجل فى كثير من العمال أم فى الصحافة
والنشر أم فى الحياة السياسية.
وفى عام 1894م نشر
بالفرنسية بعنوان "المصريون" وأخذ ينشر فى جريدة المؤيد –
فيما بين 1895-1897 مقالات بتوقيع "السائح" ثم نشر عام 1899 كتابه
(تحرير المرأة) ونشر عام 1906 كتاباً بعنوان (كلمات قاسم أمين) وأسهم فى مشروع
إنشاء الجامعة المصرية القديمة. وتوفى فى 23/4/1958م.
أما دعوته إلى تحرير
المرأة – فقد أثمرت بعده أحسن الثمار وتشارك المرأة العربية اليوم أخاها
الرجل مختلف أعبائه فى جميع الميادين.
( ناقص جزء في الباب الخامس من ص
141،142،143،144
الشيخ عبد العزيز جاويش ص 147 تم تغييره
ناقص ص 157 حتى 163 ( سليم تقلا وبشارة تقلا 000
الأستاذ الدكتور محمد درى باشا
[1841-1900]
الطبيب الجراح
ولد
محمد درى بقرية محلة أبو على إحدى ضواحى المحلة الكبرى ، وتلقى التعليم الابتدائى
والثانوى ، ثم التحق بمدرسة المهندسخانة عندما كان ناظرها على باشا مبارك ، ولكن
هذا الشاب كان متعلقا بدراسة الطب ، فطلب من أستاذه معاونته على الالتحاق بالمدرسة
، واقتنع على مبارك وساعده فى الالتحاق بمدرسة الطب ، وفجأة ألغى الوالى سعيد باشا
مدرسة الطب وأمر بإلحاق طلابها بالجيش . ووجد محمد درى نفسه جنديا ، ولم ييأس ،
فاستمر فى دراسة الطب من الكتب التى استطاع الوصول إليها ، ثم عمل ممرضا ، وأعاد
سعيد باشا فتح المدرسة ، فعاد إليها محمد درى وأتم دراسته بنجاح باهر ، فعين معيدا
للجراحة بالمدرسة ، ثم سافر فى بعثة إلى فرنسا للتزود بأحدث ما وصل إليه الطب هناك
، وكان الطبيب محمد درى أصغر المبعوثين وأنبغهم وأكثرهم علما ، وبقى وحده فى باريس
سبع سنوات ، أتم دراسته على أشهر الجراحين ، حيث قام الوالى إسماعيل باشا بإرجاع
زملائه الآخرين وأبقاه وحده فى فرنسا وشمله برعايته بعد أن سمع من أساتذته بنبوغه
ومهارته ، ثم عاد إلى مصر ليشغل منصب كبير الجراحين فى مستشفى قصر العينى ،
والأستاذ الأول للجراحة بمدرسة الطب ، وانهالت عليه الرتب والألقاب ومنها الباشوية
، وذاعت شهرته وأصبح نجم الجراحة الأول . ولقد عرف عنه أنه يقتنى مكتبة علمية
نفيسة تضم أهم المراجع خاصة فى مجال التشريح ، وقرر الدكتور درى تدريس الطب باللغة
العربية وأن هذا لا يمنع إطلاقا من الرجوع إلى كتب الطب بأى لغة لمن يرغب فى رفع
مستواه العلمى ، وأنشأ الدكتور درى مطبعته الخاصة وسماها المطبعة الدرية لطباعة
الكتب الطبية . وجعل مقرها فى حارة
السقايين ، ومن أول الكتب التى ألفها وطبعها فى أربعة مجلدات كتاب بلوغ المرام فى
جراحة الأجسام ، ثم طبع كتابه الإسعافات الصحية فى الأمراض الوبائية ، كما طبع
الكثير من الكتب الطبية للأساتذة الذى يعملون معه فى القصر العينى ، ولم ينس فضل
أستاذه على باشا مبارك فأصدر عن تاريخ هذا الرجل كتابا طبعه أيضا فى مطبعته ، وكان
الكتاب الوحيد فى غير علوم الطب الذى طبع بمطبعته ، ولم يدخر جهدا أو مالاً فى
سبيل تحقيق أمل حياته فى ترجمة وطبع كل فروع المعرفة الطبية ، إلا أن الموت عاجله
عام 1900 ولم يتبقى من سيرته الذاتية وحياته العظيمة سوى لوحة تحمل اسمه فى أحد
شوارع حى العجوزة هو "شارع الدرى" رحمه الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق