الأحد، 2 سبتمبر 2018


أشهر النساء فى تاريخ الإسكندرية فى العصور القديمة


كليوباترا السابعة

آخر ملوك الأسرة البطلمية في مصر . وقد حرصت على إعادة مجد وقوة الأسرة البطلمية . واهتمت بتطوير المملكة ورفع شأنها في مواجهة قوة روما المتزايدة وأولت المكتبة اهتماما خاصا حتى أن بعض الروايات تذكر أن مقتنيات المكتبة قد وصلت إلى أقصى عددها في عهدها ( 900 ألف مجلد في بعض الروايات ) خاصة بعد أن أهداها أنطونيوس مكتبة برجاما كاملة . وشكلت خطرا حقيقيا على الجيش الروماني إلى أن تمكن أوغسطس من هزيمتها هي وأنطونيوس في معركة أكتيوم ثم في الإسكندرية تلك الحرب التي انتهت بمقتل أنطونيوس وانتحار كليوباترا.
وما زالت كليوباترا التى مضى على وفاتها حوالى ألفى سنة مازالت تلهم الكتاب والشعراء والقصاصين والمصورين والمثالين وكتاب المسرح والسينما بشتى الأعمال الفنية ووضع عن حياتها مئات الكتب التاريخية وألوف المقالات فى شتى اللغات ولم يخل بعضها من تشويه الحقائق التاريخية ومزج الواقع بالخيال.
لقد لُقبت كليوباترا السابعة إذ سبقها عدد يحمل هذا الاسم منذ كليوباترا أخت الإسكندر الأكبر وكانت هناك كليوباترا الثانية أخت بطليموس الثامن ومنازعته فى الملك وغيرها إلا أن أشهرهن فى التاريخ والقصة كليوباترا السابعة، وبالرغم من هذه المئات من السنين فمازالت تثير كليوباترا السابعة الجدل فهذه الملكة التى ولدت فى شتاء عام 69 ق.م. على شاطئ الميناء الشرقى بالإسكندرية وكانت أشهر ملكات التاريخ وآخر ملوك البطالمة عاشت بالإسكندرية كل حياتها وماتت ولم تعرف بوطن آخر لها  غير مصر التى سكنها أجدادها البطالمة منذ ثلاثمائة سنة ودفنوا فى ثراها مازالت كليوباترا تثير الجدل حتى يومنا هذا ولعل آخر هذا الجدل ما خرجت به مؤخراً أمينة قسم الآثار اليونانية الرومانية بالمتحف البريطانى سوزان ووكر بتصريح غريب لوسائل الإعلام بأن كليوباترا التى أقامت العالم ولم تقعده كانت سيدة قبيحة الوجه دميمة الجسد ولم تكن جميلة واستندت فى زعمها هذا إلى بعض التماثيل المنسوبة إلى الملكة كليوباترا فى لطمة على وجه الرومانسية شوه تلك الصورة الرائعة الجمال لكليوباترا فى مخيلة الجميع وقد تصدى الدكتور/ زاهى حواس الأثرى المشهور فى مقاله بالأهرام فى 5/5/2001 تحت عنوان كليوباترا الساحرة الداهية جاء به "أن كليوباترا   هى الملكة التى وصفها العالـم بالسحـر والجمـال، والملكـة التـى أثيـرت حولهـا الأساطيــــر
والقصص الخيالية" وقيل عنها أنها كانت بارعة فى اجتذاب أقوى رجال العالم نحوها إنها كليوباترا ملكة مصر التى كادت تحكم العالم القديم.
لقد صارت كليوباترا أسطورة تحدث عنها المؤرخين القدامى، ومنهم من وقع فى عشقها فغالى فى وصف مآثرها ومحاسنها ومنهم من كرهها لأن أحداث عصرها كانت تفوق مخيلته فتمادى فى تحقير شأنها ووصفها بأبشع ما يمكن أن توصف به ملكة قيل عنها أنها ملكة قلوب الملوك.
استحوذ تأثير كليوباترا على مخيلة الشعراء فتغنوا بأروع قصص الحب والعشق فذكر (فيرجيل) الشاعر القديم فى إحدى أغانيه أن الحب يقهر الجميع، ولكن أثبتت سهام كيوبيد أنها أضعف من قوات وأسلحة (أكتافيوس) الذى سحق واحدة من أروع قصص الحب فى تاريخ الإنسانية واستمر تأثير كليوباترا عبر الزمان ليصل إلى (وليم شكسبير)، و(برنارد شو) والذى أنكر فى مسرحيته التى كتبها عن قيصر وكليوباترا أن تكون هذه الملكة قد أوتيت من العلم شيئاً بل صورها فى صورة المرأة اللعوب التى تستخدم جسدها من نيل ما تريد وربما كان رأى برنارد شو فى كليوباترا جاء تجسيداً لأرائه عن المرأة.
ولقد أصبحت كليوباترا حقلاً خصباً لمؤلفى السينما العالمية بل وحلماً لكل ممثلة جميلة أن تجسد يوماً ما شخصية كليوباترا كما جسدتها من قبل الفنانة العالمية (إليزابيث تيلور) التى نجحت فى أن تربط ملامحها بملامح الملكة كليوباترا فما أن تذكر كليوباترا حتى تتراءى إلى العين صورة إليزابيث تيلور وعينيها الجميلتين.
وإذا وقفنا هنا قليلاً سنجد أنه على الرغم من أن الفن الرومانى كان يختلف عن الفن اليونانى فود اعتداد الفنانون فى العصر الرومانى أن يصوروا الملوك بصورة مثالية عكس  الفن اليونانى الذى حاكى الأصل وقلده كى يظهر الشخص كما هو وهذا يعنى أن الفنان السكندرى رسم صورة أو تمثال كليوباترا وصورها بهذا الجمال مجافياً الحقيقة، بل نجده صورها بفم كبير وأنف معقوب، وأنا أعتقد أن هذه ليست من سمات عدم الجمال أو القبح بالعكس فإن أعظم فنانات السينما العالمية مثل "صوفيا لورين، وجوليا روبرتس" يتصفن بالفم الكبير.
فكليوباترا ومهما قيل عنها كانت جميلة ولاشك وجهها يزين آلاف العملات الموجودة بالمتاحف المختلفة ووجها المشرق النضر يطل علينا من واجهة معبد دندره ليحكى لنا تاريخ واحدة من أشهر ملكات مصر فى تاريخها القديم، وما قول العالم الأمريكى "وليم وسترجان" فى أحد المؤتمرات العلمية عندما وقف مدافعاً عن الملكة وما نسجه حولها المؤرخون المعاصرون لها أو الكتاب الحاليون، وقال: "أن هذه ملكة خلدت عرش مصر ووقف وراءها شعبها فى سبيل تحقيق حلم تكوين إمبراطورية جديدة".
أما عن تاريخ الملكة فنبدأه من عام 51 ق.م. عندما مات بطليموس أوليتس بعد أن أوصى بتولى ابنته الكبرى كليوباترا "الإلهه المحبة لأبيها" بالاشتراك مع اكبر أبنائه الذكور بطليموس الذى كان صبياً فى العاشرة من عمره بينما كانت أخته الملكة كليوباترا تبلغ الثامنة عشرة من عمرها، وقد جعل أبوها الملك الراحل روما وصية  عليهما، ولـم تستتـب الأمـور نظراً لمؤتمرات كل من مستشارى الملك الصغير والملكة
الجميلة ومحاولة كل طرف إزاحة الآخر من مسرح الأحداث والانفراد بالحكم وزحف (قيصر) وجنوده من روما إلى مصر وسحقت قوات الملك الصغير والذى لقى حتفه ليعين أخوه الأصغر بطليموس الرابع عشر شريكاً آخر لكليوباترا على عرش مصر وبعد هدوء الأمور نسبياً أقيمت الاحتفالات على شرف ضيف مصر الكبير قيصر روما التى قيل أنها استمرت لمدة شهرين قضاهما مع الملكة كليوباترا فى رحلة على صفحة النيل لرؤية عجائب مصر ومجدهم.
وعندما رحل قيصر عائداً إلى روما كانت كليوباترا تحمل جنينه فى أحشائها وقد زارت الملكة كليوباترا فى صيف عام 46 ق.م. بدعوة رسمية من قيصر وبصحبتها ابنها قيصرون (قيصر الصغير) ربما لتقديمه إلى المجتمع الرومانى وأقامت وحاشيتها فى قصر بديع بإقطاعية قيصر الواقع على تل (جانيكول) عبر التيبر وسط روما واستطاعت كليوباترا بجاذبيتها وذكائها وثقافتها أن تخطف قلوب الرومان وحقد وحسد نساء روما!
وبعد مرور شهر واحد من زيارتها إلى روما اغتيل قيصر على يد رجاله لتعود كليوباترا إلى الإسكندرية خفية.
وأخذ أوكتافيوس وأنطونيوس على عاتقهما الانتقام لمقتل قيصر واستطاع الانتصار على الجمهوريين المنافسين وتشتيت قوة بروتس وكاسيوس واتفق البطلان على أن يتصرف أوكتافيوس فى شئون الغرب، وأنطونيوس فى شئون الشرق، وطلب أنطونيوس أن تحضر ملكة مصر لتركع أمامه بعد أن اتهمها بانها لم تقدم المساعدة فى أثناء الحرب مع الجمهوريين ويعتبر هذا اللقاء من الأحداث المهمة بل يمكن أن يصبح مسرحية رومانسية لعب فيها القدر دوراً كبيراً، فتسلحت الملكة بأهم أسلحتها واستعدت جيداً للقاء البطل الرومانى أنطونيوس المغرور الذى كان تواقاً لمقابلة الملكة التى ملكت قلب قيصر، وهنا استطاع المؤرخون أن يفسروا هذا اللقاء طبقاً لأهوائهم وميولهم خاصة لقاء العشق والغرام وكيف استطاعت هذه المرأة أن تنصب شباكها على القائد الرومانى الجديد حتى أصبح عشق الملكة مسيطراً على كيانه وأصبحت صورة الملكة الجميلة لا تفارق خياله وتلاقت المصالح بينهما، ولذا أصبحت هذه الملحمة أعظم قصة حب فى التاريخ، وتم اللقاء الأول فى (تارسوس) بآسيا الصغرى وكانت كليوباترا تعرف مسبقاً أن البطل الرومانى يميل إليها، لذلك أهملت دعوته فى البداية وبعد ذلك سافرت محملة بالهدايا المصرية، ووصف لنا (بلوتارخ) هذا اللقاء فى أروع صوره الأدبية، لقد ترك الناس السوق والعمل لمقابلة فينوس المصرية ملكة جمال العالم يتأملون حسنها وجمالها وكى يشاهدوا المرأة التى أحبها قيصر والتى حضرت لمقابلة القائد الرومانى ماركوس أنطونيوس ودعاها للعشاء وقبلت كليوباترا الدعوة، وتزين فى أبهى ملابسه وهى كذلك.
وفى هذه الليلة استسلم لها تماماً فاستسلمت له تماماً، لتبدأ قصة الغرام التى رواها لنا شكسبير ونقلها للعربية العالم الكبير/ زكى على وانشغل القائد الرومانى بعض الوقت ليعيد الإمبراطورية هيبتها ولذلك امتدت فترات الفراق حتى جاء عام 36 ق.م. فذهب إلى الإسكندرية كى يقضى بعض الوقت من فصل الشتاء بجوار معشوقته على شواطئ الإسكندرية، وبدأ بريق الأمل يدنوا من ملكة الملوك كى تحقق مآربها السياسية
عن طريق هذا القائد الشاب الذى استطاع بقوته أن يثبت حكمها ووقفت بجانبه تؤازره وتمده بالأموال لكى يحول هزائمه إلى نصر، حتى جاء زواج ماركوس أنطونيوس السياسى من أكتافيا أخت شريكه فى حكم الإمبراطورية الرومانية أكتافيوس لطمة قوية على خد الملكة كليوباترا التى شعرت بالغيرة الشديدة، وتتوالى الأحداث بسرعة مذهلة حتى نصل إلى إعلان أنطونيوس زواجه من كليوباترا اعترافاً بفضلها عليه ومساندتها له وانطلاقاً من حبه الجارف لها الذى دفعه إلى أن يطلق زوجته الرومانية متحدياً قوة أخيها أوكتافيوس الذى أشاع أن أنطونيوس قد أصبح ألعوبة فى يد ملكة مصر، وبدأت الاتهامات بينهما أمام مجلس الشيوخ والشعب الرومانى ولكن بعد الزواج الرسمى بين الحبيبين حصلت ملكة الملوك على شعبية كبيرة بين الشعب المصرى والشعب اليونانى واعتبراها أفروديت وفينوس وحتحور إلهة الحب والجمال عند اليونانيين والرومان والمصريين، وعلى الرغم من ذلك فلقد زادت الشقة بين القائدين ودقت طبول الحرب بينهما حتى كانت معركة (أكتيوم) البحرية فى 31 ق.م. نهاية قصة الحب ونهاية حياة أسطورة العالم القديم، لكن كليوباترا لم تعتبر هزيمة أنطونيوس نهاية حلمها فى تثبيت دعائم حكمها، بل اعتبرتها فقط خسارة موقعة وحاولت أن تتفق مع أكتافيوس البطل الجديد بل وفكرت فى حيل كثيرة كى تجذبه إلى صفها ولذلك أطلق عليها أنها داهية سياسية لأنها تحاول أن تتخذ من عدو الأمس صديقاً، وبدأت المراسلات بينهما وحاول أوكتافيوس أن يجعلها تتخلص من أنطونيوس نهائياً فى سبيل أن يدعم حكمها، وهنا عرف أنطونيوس أن هذه النهاية فالحبيبة لم تعد إلى جواره، ونفذت حيلتها الأولى وهى التخلص من حبيبها وبالفعل بدأت الخطة وبعثت من يخبره أنها فرت لمعبدها وتركته وحيداً يواجه مصيره المحتوم وشعر أنطونيوس أنه فقد كل شئ وطلب من خادمه أن يطعنه بخنجر فى صدره، وخر صريعاً وهو ينطق باسم الحبيبة الجميلة التى قضى معها أجمل أيام حياته، لكن الأمور جاءت على غير ما تشتهى الملكة، حيث أرسل أوكتافيوس رسولاً فى مفاوضة كليوباترا كى يحصل على الكنوز التى خبأتها، وهنا أحست الملكة برغبة القائد الجديد فى التخلص منها نهائياً ولذلك أرسلت قيصرون إلى النوبة، وقررت التخلص من حياتها لتنتهى مسرحية الحب والانتقام والغرام والفراق، لكن النهاية كانت مأساوية فقد أحضرت حيتين فى سلة مغطاة بأوراق التين وقامت باحتضانهما ولدغتها حية فى ذراعها اليسرى، ولكنها ظلت واعية ولم تلفظ أنفاسها وجاءت الحية الثانية ولدغتها فى ثديها، وكانت النهاية، وأراد أوكتافيوس أن يظهر انتصاره على ملكة الملوك فطلب أن ينحت الفنانون بها تمثالاً طبق الأصل وطاف به فى موكب فى شوارع روما ليعلن نهايتها أمام الشعب الرومانى.
والشىء الذى لا يعرفه الجميع هو أن كليوباترا أنجبت من أنطونيوس ولدين توأم وابنة ولقد أبقى أوكتافيوس على حايتهم وأرسلهم إلى روما ليتربوا هناك وانقطعت أخبارهم فلم نعرف عن حياتهم شيئاً، وقام أوكتافيوس بقتل قيصرون بناء على نصيحة أحد الفلاسفة السكندريين كلا لا يبقى خلفاء لـ (يوليوس قيصر) يطالبون بعرش روما أو مصر، ومنذ اللحظة التى ماتت فيها ملكة مصر أصدر أوكتافيوس قراراً من خمس كلمات يعلن فيها ضم مصر إلى سلطان الشعب الرومانى.
لقد كانت هذه الملكة من وجهة النظر المصرية واليونانية بطلة
فهى الوحيدة التى واجهت قوة روما سواء عن طريق الزواج أو عن طريق التحدى والمواجهة بأسلحتها الفتاكة سواء جمالها أو ذكائها، ولقد احترم المصريون

ذكراها وقدروها وأعادوا تذهيب تمثالها فى معبد فيلة عام 393م وكان حبيبها الأول قيصر قد أقام لها تكريماً وتشريفاً تمثالاً من الذهب إلى جوار تمثال فينوس آلهة الحب والجمال، وبعد زواجها من أنطونيوس سجلت صورتها معه على العملة عام 33 ق.م.
لقد كشفت لنا الحفائر التى أجراها العالم الجليل/ سيد الناصرى فى منطقة كوم أوشيم عن العديد من النتائج المهمة منها ذلك اللقب الجديد للملكة كليوباترا (فيلو ماتور) أى المحبة لأمها إضافة إلى العديد من المعلومات التى أضيفت إلى تاريخ تلك الملكة خالدة الذكر. وأخيراً هل نستطيع أن نقول الآن أنها كانت قبيحة؟ لا.. فقد كانت جميلة.. جذابة ذكية أرادت أن تحكم العالم ولكن ضاع منها هذا الحلم.
كان هذا ما جاء بقلم الدكتور/  زاهى حواس..
ثم يكتب الفريد فرج فى أهرام 24/6/2001 عن نفس الموضوع فيقول (تتحدث الصحف الإنجليزية عن الإقبال الكبير على معرض آثار كليوباترا ملكة الإسكندرية الساحرة، وهو المعرض المقام حالياً فى لندن ولينقل بعدها إلى عواصم غربية أخرى وكليوباترا اسم فى التاريخ واسم فى الأدب والفن واسم فى سحر الأنوثة وهو فى الحالات الثلاث اسم اقترن بالحب والحرب والمجد والموت فأصبح رمزاً للإثارة من أى زاوية تطلعت إليه، وكانت صورتها وكانت شخصيتها وكانت سيرتها فى عنق الأحداث التاريخية جاذبة للفنانين وملهمة لهم وعلى رأس هؤلاء الشاعر المسرحى الكبير وليام شكسبير (1564-1616) الذى كتب مسرحية أنطونيو وكليوباترا والكاتب الأيرلندى الشهر برناردشو (1856-1950) وكتب مسرحية قيصر وكليوباترا 1907 وشاعرنا العظيم أحمد شوقى (1868-1932) الذى كتب مسرحيته الشعرية مصرع كليوباترا 1929.

هيباتيا
     الزمان      : 370 415 م
المكان     : الإسكندرية
الإنسان              : هيباتيا       HYPATIA  
رائدة ونصيرة حقوق الإنسان وهي آخر من حاضروا بمكتبة             الإسكندرية القديمة.
 الآن ومدينة الإسكندرية تستعيد سابق مجدها وإطلالتها الثقافية المتميزة على المستوى الحضاري العالمي بمناسبة قرب افتتاح مكتبة الإسكندرية الجديدة فلا شك أن هذه المناسبة التاريخية سوف تشكل فرصة فريدة لتخليد وتكريم ذكرى العالمــة والفيلسوفــة الشهيــرة هيباتيــا رائــدة ونصيــرة حقــوق

الإنسان إذ كانت عند مقتلها غدرا وظلما في مطلع القرن الخامس الميلادي آخر المحاضرين بمكتبة الإسكندرية القديمة ذائعة الصيت ليس فقط في الإسكندرية ولكن أيضا في جميع أقطار البحر الأبيض المتوسط .
لذلك فقد آن الآن الأوان لاغتنام هذه الفرصة الفريدة حيث أن أنظار جميع منارات العلم والمعرفة والثقافة في جميع دول العالم تتركز حاليا على مدينة الإسكندرية في عرسها وثوبها الجديد في نهضتها الحديثة لكي ترد كل الاعتبار الواجب لهذه الفيلسوفة والعالمة الشهيرة التي كانت حقا رائدة ونصيرة لحقوق الإنسان حيث جاهرت بها دائما بشجاعة وبلاغة مع كل أمانة وصراحة وبلا خوف مع ما كان معروف عنها أيضا بجاذبية شخصيتها وجمالها وعفتها المعهودة .
كل ذلك قد جعلها في ذلك الزمان أشهر من نار على علم حينما تفوقت الإسكندرية على مناهج العلم والمعرفة التي كانت سائدة في ذلك الوقت في أثينا، كما أصبح لها العديد من الأتباع والمريدين وطلاب العلم يأتون خصيصا إلى الإسكندرية للاستماع إليها والاستفادة من تعاليمها وثقافتها .
وهيباتيا ابنة الفيلسوف السكندري ثيون عالم الرياضيات والفلك في ذلك العهد وقد ثقف ابنته ثقافة فلسفية فشبت تبحث وتدرس ثم أصبحت أستاذة للفلسفة والرياضيات بجامعة الإسكندرية ( الموزيوم ) وحيث استثمرت مواهبها الخارقة في الاستزادة من العلم إلى أن أصبحت عالمة من علماء الإسكندرية فأحرزت في العلوم سبقا فاقت به كل فلاسفة عصرها وتوج هذا السبق بشرف آخر أنها كانت رئيسة بجامعة الإسكندرية وشغلت هذا المنصب الجليل عن جدارة حتى اجتذبت شهرتها العديد من طلاب الثقافة الرفيعة من مصر وخارجها يحتشدون لسماعها وكانت بحكم منصبها على صلة بكثير من الرجال ولكن لم ينل ذلك شئ من طهرها وعفتها فظلت فوق الريبة والشك من أصدقائها وأعدائها على السواء وكانت أخلاقها النقية مثار الإعجاب حتى من أعدائها وأمتد فيض ذكائها وحكمتها إلى دور القضاء فكان قضاة الإسكندرية يهرعون إليها يستشيرونها في كل ما يستعصي عليهم من مسائل 000 وتتردد هي عليهم متى شاءت وتقابل كبارهم دون أية صعوبة إذ كانت موضع إجلالهم وإكبارهم ولكن هذا السمو الفكري والخلقي كان سبب هلاكها إذ كانت وثنية وعلى صلة بحاكم المدينة أورستيس فكان المسيحيون يحقدون عليها ويرونها العقبة في سبيل انتشار المسيحية وكان أسقف المدينة كيرلس يضيق ذرعا بسلطانها ونفوذها وكثيرا ما كان يلجأ إلى العنف في سبيل استتباب المسيحية مما كان موضع نقد لاذع من المسيحيين أنفسهم وقد شجع مسلك الأسقف جماعة من المتعصبين الحمقى على ارتكاب جريمتهم الشنعاء ففي ذات يوم كانت هيباتيا عائدة في عربتها إلى بيتها فأحاط بها الغوغاء واختطفوها من العربة وأخذوها إلى أحد المعابد حيث رجموها بالحجارة حتى ماتت وكانت وفاتها في شهر مارس عام 415م ولها من العمر أربعة وأربعين عاما ولكن عقلاء المسيحيين وكتابهم أسفوا لذلك ونددوا بهذا العمل الشنيع.
إلا أن هيباتيا مثل العديدين الذين ظلموا واضطهدوا عبر التاريخ قد أصبحت الضحية البريئة لهؤلاء الأشرار الذين حقدوا عليها وغدروا بها وحاكوا ضدها المؤامرات والافتراءات الدنيئة .
وبعد هذه الجريمة النكراء بدأ سريعا أفول الحضارة بالإسكندرية التي كانت قد ازدهرت فيها بعد أن أسسها الإسكندر الأكبر منذ أكثر من سبعة قرون سبقت ذلك.
وفي حقيقة الأمر فإن جميع المثقفين والمفكرين والمؤرخين وكذلك جميع جامعات العالم ومكتباتها الشهيرة ومنارات العلم في العديد من الدول لازالت تتذكر حتى الآن غزير العطاء الذي بذلته هيباتيا في مختلف أوجه العلم والفكر والمعرفة والحرية والثقافة ، وعلى سبيل المثال فقط وليس الحصر ما أشاد به بأطيب العبارات كبار المؤرخين والمفكرين مثل كل من داماسيوس وجون تولاند والفيلسوف الإنجليزي المعروف برتراند راسل والأديب الإيطالي كارلو باسكال وكذلك كل من المؤرخ الشهير إدوارد جيبون ودرايبر والأديب الفرنسي فولتير والشاعر الفرنسي الشهير لوكونت دوليل ، والشاعر اليوناني الشهير كوستيس بالاماس والشاعرة الإيطالية الكبيرة الكونتيسة ديوداتا رويرودي سالوزو والأديب الإيطالي المعروف ماريو لوزي ، والقس الإنجليزي شارلز كنجزلي والكاتب الإنجليزي فورستر ، هذا بالإضافة إلى ما كتبه عنها العلامة والمحاضر المرموق الأمريكي الأرمني الأصل مجردتش منجسار يتشيان والعديد غيرهم من المؤرخين والأدباء والشعراء بالإضافة إلى ما كتبه عنها غيرهم من الكتاب والأدباء العرب المرموقين مثل الأديب الراحل نقولا يوسف في كتابه المعروف بعنوان " أعلام من الإسكندرية " وأيضا أستاذ التاريخ الدكتور مصطفى العبادي في كتابه بعنوان " مصر من الإسكندر الأكبر إلى الفتح العربي " وما كتبه الأديب الأستاذ أنور جعفر في كتابه المتميز الذي صدر في عام 2000 والذي أفرد فيه كل قصة هيباتيا تحت عنوان " دماء على تل الزمار " وهو مرجع لجميع الأحداث التي كانت سائدة بالإسكندرية في ذلك الوقت وحتى اغتيال هيباتيا إذ بعد أن أزيحت عن الساحة انطفأت بالإسكندرية لقرون عديدة شعلة النور والمعرفة التي اقترنت في الماضي بتاريخ الإسكندرية العريق حينما كانت هذه المدينة محط أنظار العالم ومتألقة في أوج ازدهارها إذ كانت حقا في ذلك العصر الذهبي بمثابة عاصمة النور والعلم والمعرفة والثقافة والحرية في العلم بدون منازع.
وفي هذا السياق يجدر بنا أن ننوه كذلك عن كتاب آخر رائع وبالغ الأهمية صدر أخيرا عن تاريخ وحياة الفيلسوفة والعالمة اليونانية " هيباتيا " وهذا الكتاب بعنوان " هيباتيا السكندرية " بقلم العالمة والباحثة المرموقة دكتورة ماريا دزيلسكا وهي بولندية وأستاذة التاريخ الروماني والبيزنطي في جامعة كراكوف ، وقد طبع ووزع هذا الكتاب القيم بمعرفة جامعة هارفرد عند صدوره باللغة الإنجليزية في عام 1995 ويحتوي كما هائلا من البيانات والمعلومات عن تاريخ الشهيدة هيباتيا وعن حياتها من واقع المستندات الموثقة عنها في كتب وموسوعات ومراجع التاريخ ، كما أن هذا الكتاب قد ترجم إلى العديد من اللغات منذ صدوره في الأعوام القليلة الأخيرة في طبعات متوالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق