أهم
معالم ومؤسسات الإسكندرية العلمية والثقافية والأثرية والفنية والسياحية
مكتبة محافظة الإسكندرية ( مكتبة البلدية )
يمكن
أن نطلق مجازا أن مكتبة المحافظة أو مكتبة البلدية كما كانت معروفة بهذا الاسم
وحتى الآن أن هذه المكتبة هي الانحدار التاريخي لمكتبة الإسكندرية القديمة فهي
المذكرة بها والوارثة لها .
بدأت
مكتبة الإسكندرية عملها في سنة 1892 م وكان أول أمين لها هو فيكتور نوريسون ـ وفي
سنة 1917 نقلت إلى المدرسة الإيطالية بشارع أبو الدرداء .
وفي
سنة 1938 تبرع البارون دي شارل منشا بسراية للمكتبة وهي مقرها الحالي وقد سمي
الشارع الذي توجد به المكتبة بشارع منشا .
وفي
المدة من 1950 - 1952 تغير اسمها إلى مكتبة فاروق الأول لكن أعيد لها اسم مكتبة
بلدية الإسكندرية بعد ذلك . وكان هناك ثمان مكتبات عامة تديرها المجالس البلدية
قبل نظام الحكم المحلي سنة 1961 فقد كانت هناك مكتبة في كل من طنطا والمنصورة
والمحلة الكبرى وشبين الكوم ودمنهور والمنيا وأسيوط وسوهاج .
والمكتبات
العامة تعتبر مركز ذكاء المجتمع الذي تتواجد فيه ـ وكانت تعتبر في وقت إنشائها
مصدر المعلومات في حين أن المعلومات الآن لها مصادر عديدة ومتنوعة وساهمت
التكنولوجيا الحديثة والكمبيوتر والإنترنت الآن في تقلص دور المكتبة العامة كمصدر
للمعلومات . كما كانت المكتبة العامة موضع لزيارة الوافدين على المدينة من زوار أو
سياح ـ ويذكر أن المستشرق الروسي ( كراتشكوفسكي ) زار مكتبة بلدية الإسكندرية وكتب
مقالة هامة عن المخطوطات النادرة بها .
ولأن
الإسكندرية كان بها أكبر عدد من الأجانب وكانوا ينتمون إلى خمس دول هي اليونان ـ
إيطاليا ـ بريطانيا ـ فرنسا ـ تركيا ، بالترتيب وكانت هذه الجاليات تكون نسبة 90%
من مجموع الأجانب في الإسكندرية
وقد
كانت هناك منافسة بين السينما والمكتبة في شغل أوقات الفراغ وفي نهاية الخمسينات
من هذا القرن كان يوجد عدد 30 دار سينمـا وعـدد 5 مسارح بالإسكندرية ـ وقد نصت
لائحة المكتبة المصدق عليها من وزير الشئون البلدية والقروية . وكان البند الأول
في هذه اللائحة ينص على أن تقوم المكتبة بنشر الثقافة في المحيط السكندري يتيسر
الإطلاع على الكتب العلمية والفنية والأدبية واتباع كل وسيلة تحقق هذا الغرض
كاقتناء الكتب والمخطوطات ونشرها وتنظيم المحاضرات وكان للمكتبة مجلس مكون من خمسة
أعضاء وله رئيس وكانت مدة العضوية في هذا المجلس ثلاث سنوات يجوز تجديدها .
وكان
جهاز المكتبة في أواخر الخمسينات يتكون من 16 مقطعا بينهم مدير المكتبة وأمين
مكتبة متخصص وموظف إداري وسكرتير ويقوم بالأعمال الكتابية 11 مستخدما بينهم آنسة
واحدة ، بينما يبلغ عدد العاملين الآن بالمكتبة ما يربو على المائة وعشرين موظفا
خلال العمال والسعاه و90% منهم من السيدات والآنسات .
وكان
من الأمور الغريبة أن المطالع لكتاب يزيد ثمنه عن جنيه يدفع مبلغ قرش صاغ واحد
دمغة ـ ولم يكن هناك كتب يزيد سعرها عن جنيه إلا نادرا وفي ميزانية عام 1959م كان
المخصص لطبع فهارس المكتبة باللغة العربية مبلغ 1600 جنيها وأعتبر ذلك في هذا
الوقت تبذيرا لا مبرر له . في حين أن ميزانية العام الأخير للمكتبة وهي تابعة
للمحافظة بأن كان ميزانية المكتبة في عام 1958 ـ 1959 كالآتي : مشترى وتجليد كتب
للمكتبة 3500 – 1500 جنيه لطبع فهارس للقسم الأدبي ، و350
جنيه لإنشاء معرض للمخطوطات العربية النادرة و1000 جنيه لإنشاء مكتبة فنية للأدوات
الهندسية .
وكان
رصيد المكتبة عام 1959 نحو أربعة آلاف مخطط عربي ونحو 100000 كتاب . العربي منها
46320 والكتب الأوروبية 43223 مضافا لهم نحو عشرة آلاف من النسخ المكررة .
أما
عدد الكتب فيصل الآن إلى ما يقرب من 300000 كتاب . وفي هذه الفترة كان ينافس مكتبة
البلدية مكتبة المركز الثقافي الأمريكي بالإسكندرية وقد سجلت الإحصائيات أن عدد
المتعاملين مع مكتبة المركز الثقافي سجلت 5000 عضو بينما كان يقابله عدد 1300
مستعير خارجي فقط بمكتبة البلدية .
وإذا
تحدثنا عن المخطوطات فإن الأستاذ الدكتور يوسف زيدان مستشار التراث والمخطوطات وضع
فهرسا لمخطوطات بلدية الإسكندرية يقول أن محتوى مكتبة البلدية من المخطوطات يحصل
منها أكبر خزانة خطية بالإسكندرية فهي تقتني ما يزيد على تسعة آلاف مخطوطة ـ وقد
ازداد هذا المحتوى شيئا فشيئا بفضل الإهداءات والتبرعات التي كانت تصل للمكتبة منذ
إنشائها ولمدة عقود ستة ثم توقفت الإهداءات بعد ثورة 1952 يوليو المباركة وأكبر
مجموعة دخلت المكتبـة هي مخطوطات إبراهيـم باشـا ( ابن محمد علي باشا ) وقائد
جيوشه وقد ظهر ذلك من خلال فحص مجمل مخطوطات مكتبة البلدية حيث وجد ما يزيد على
ألف ومائتي مخطوطة مسجل عليها توقيع وأحيانا ختم إبراهيم باشا بصيغة إبراهيم
سرعسكر أما بقية المجاميع الخطية التي زودت بها المكتبة فلا توجد إشارة إلى
أصحابها ولا تحتفظ سجلات المكتبة حاليا بأية إشارة إلى ذلك أما نوادر المخطوطات
بمكتبة بلدية الإسكندرية فهي لا تكاد تقع تحت الحصر وهي نوادر خطية من كل قرن وفي
كل فن . كما قام الدكتور يوسف زيدان بإعداد كتابا عن نوادر مخطوطات مكتبة
الإسكندرية وتم طباعة هذا الكتاب الذي يعد من أفضل ما تم بشأن المخطوطات وكان ذلك
بتمويل من برنامج الأمم المتحـدة للتنميـة (اليونسكو) .
وفي
مكتبة البلدية مجموعة خطية لا تقدر بثمن فبعضها قديم يرجع تاريخ نسخه إلى القرن
الرابع الهجري ( العاشر الميـلادي ) وبعضهـا نـادر لا توجد منه نسخة أخرى في أي
مكتبة أخرى بالعالم وبعضها نفيس في زخرفته وتذهيبه وبعضها مكتوب بخط مؤلفه
وعلى هذا النحو يمكن القول باختصار أن مخطوطات بلدية الإسكندرية تعد واحدة من أهم
المجموعات الخطية في العالم .
ولأن
هذه المخطوطات لم تخط بعناية كافية فقد عرض المسئولون بهيئة مكتبة الإسكندرية أن
تتولى الهيئة بعمل ما يلزم المخطوطات من وسائل الحفظ والعناية بها وفهرستها في
فهرس وصفي شامل . وقد تولى الدكتور يوسف زيدان هذه المهمة بصبر ودأب إلى أن أصدر
فهرس المخطوطات سنة 1996 كما أصدر كتالوج فني سنة 1995 لكي يرى الناس بعض من
الكنوز الخطية التي تحتفظ بها المكتبة وقد جاء كل من الفهرس والكتالوج في صورة
مشرفة ومشرقة . هذا ومن الجدير بالذكر أن
السيد المستشار السيد إسماعيل الجوسقي محافظ الإسكندرية السابق ونائب رئيس هيئة
مكتبة الإسكندرية في هذا الوقت أصدر قرارا بإشراف الهيئة العامة لمكتبة الإسكندرية
إداريا وفنيا على قسم المخطوطات ـ وقد كان لنا رأي في هذا الأمر سجلناه في مذكرة
معروضة على السيد المحافظ في هذا الوقت وذكرنا أن هذه المخطوطات حينما تؤول إلى
هيئة مكتبة الإسكندرية الجديدة ستكون حجر الزاوية في مقتنيات هذه المكتبة لما
تحويه من كنوز يندر وجودها .
أما
ما يدعو للفخر فهو ما أكدته السيدة سوزان مبارك من ضرورة الحفاظ على التراث النادر
لمكتبة محافظة الإسكندرية وذلك خلال زيارة سيادتها للمكتبة في 26/4/1992 وكانت
المكتبة في هذا الوقت إحدى إدارات الإدارة المركزية للسياحة بالمحافظة ـ قبل أن
تتخلى عنها المحافظة لوزارة الثقافة ـ وقد تشرفنا بعرض ورقة بيضاء على سيادتها
مؤكدين أن هذه الورقة إذا أصبح عمرها ألف عام فلا بد وأنها ستكون ذات قيمة فما
بالنا وأن كل مخطوطة من هذه المخطوطات تحوي من كنوز المعرفة ومحتوى العلوم وذخائر
المعلومات ما يعجز الإنسان عن وصفه .
متحف الفنون الجميلة [ متحف حسين صبحي للفنون الجميلة ]
يعتبر
متحف الإسكندرية الذي أنشأه بطليموس الأول عام 280 ق.م والذي كان ملحقا بمكتبة
الإسكندرية الشهيرة هو أول متحف يضم عرضا منظما وموثقا للآثار الفنية وكان من
الصعب في ذلك الوقت الفصل بين المكتبة والمتحف أو الأكاديمية أو معهد العلوم أو
المدرسة .
وبحلول
نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر شهدت الإسكندرية نهضة ثقافية فنية تمثلت في
ظهور العديد من المراسم الأجنبية وفيها تلقى هواة الفن من المصريين أول دروسهم في
فنون التصوير والرسم ـ وكان طبيعيا أن يقتني أهالي الإسكندرية الكثير من الأعمال
الفنية الأجنبية والمصرية والتي كونت مجموعات عالمية في غاية الأهمية .
الأرض
المهداة من البارون دي منشا بمنطقة محرم بك ، و في عام 1949 تم تكليف الفنان
المهندس المعماري أحمد فؤاد عبد المجيد من قبل مدير بلدتها الأستاذ حسين صبحي الذي
عني بأن يقدم أبناء البلاد على رعاية الحركة الفنية في الثغر بعد أن كان الأجانب
يحتكرون هذا المجال
وقد
تم بناء المتحف على أحدث طراز متضمنا العديد من صالات العرض ومكتبة فنية ـ ومركزا
ثقافيا لإقامة الحفلات الموسيقية ولتقديم العروض المسرحية والسينمائية وأفتتح
رسميا في 23 يوليو سنة 1954 بإقامة معرض شامل لفناني الإسكندرية وافتتحه الرئيس
جمال عبد الناصر
وكانت
نواة الأعمال الفنية بالمتحف هي المجموعة الخاصة بالفنان الألماني إدوارد فريد
هايم والتي بلغت 210 عملا فنيا ويضم المتحف بجانب أعمال فريد هايم مجموعة أعمال
المستشرقين الأجانب المهداه محمد محمود خليل والكثير من الأعمال الفنية الأخرى
والتي تمثل مختلف المدارس الأوروبية من القرن السادس عشر وحتى القرن العشرين .
بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من أعمال الفنانين المصريين المعاصرين .
وقد
أصبح المتحف منذ افتتاحه منارا مشعا للفن إذ يقوم بتشجيع الفنانين واقتناء أعمالهم
من روائع فنون النحت والتصوير والحفر والخط العربي والنماذج المعمارية بالإضافة
إلى تنظيم المعارض المحلية والدولية للفنانين المصريين والأجانب .
حدائق
أنطونيادس
كانت
حدائق أنطونيادس ، وحديقة الحيوان وتبلغ مساحتها ( 80 فدانا ) تقريبا أرضا مملوكة
لأحد الأثرياء الإغريق ويسمى باستريه . وظلت الحدائق تعرف إلى عهد قريب باسم حدائق
باستريه ، ثم قام محمد علي بشراء هذه الأرض عند بدء نهضة المنطقة بشق ترعة
المحمودية . وفي عهد إسماعيل إشتراها اليوناني جون أنطونيادس والذي كان على جانب
كبير من الإلمام بكل من حضارة بلاده اليونان ومصر .
وفي
عام 1860م عهد إلى الفنان الفرنسي الفذ بول ريتشارد بإنشاء الحدائق على نموذج قصر
فرساي بباريس وبالفعل قام هذا المهندس بذلك فأصبحت صورة مصغرة من فرساي وعلى مساحة
تبلغ حوالي 45 فدانا وقد ظل جون أنطونيادس زمنا بالقصر وعندما توفى عام 1895م آلت
الحدائق والقصر بالميراث إلى ابنه أنطوني الذي قام بدوره وتنفيذا لوصية والده على
الأغلب بإهداء القصر والحدائق إلى بلدية الإسكندرية عام 1918 .
وقد
استهوت هذه الحدائق السلطان أحمد فؤاد ـ الذي أصبح أحمد فؤاد الأول فيما بعد ـ
فكان يخصص ثلاثة أيام لزيارته للحدائق والاستمتاع بها وضيوفه وخاصة من ملوك العالم
، ويسمح للشعب لدخولها الثلاثة أيام الأخرى .
وتتنوع هذه الحدائق إلى
الأنواع التالية :
ـ حديقة من الطراز الفرنسي
ـ حديقة من الطراز الإيطالي
ـ حديقة من الطراز الأندلسي
ـ حديقة من الطراز الطبيعي
ـ حديقة من الطراز الغاطسي Sunken
ـ حديقة على الطراز اليوناني
الروماني
وتضم
هذه الحدائق تحف فنية من التماثيل التي تمثل أرباب أباطير الأغريق مثل إفروديت
وابنها كيوبيد إله الحب ، وكذا عدد من تماثيل أعلام أوروبا ومؤسسي تاريخها الحديث
مثل الأدميرال نلسون ، ماجلان ، كريستوفر كولومبس وفاسكو ديجاما .
وقد
حدثت بهذه الحديقة والقصر أحداثا تاريخية سجلها تاريخ المدينة وهي:
ـ توقيع اتفاقية الجلاء عام
1936م بين حكومة الوفد والحكومة الإنجليزية وقد غرست شجرة رائعة بمدخل القصر بهذه
المناسبة
ـ عقد أول اجتماع للجنة غوث
اللاجئين
ـ عقد أول لجنة أوليمبية في
مصر
ـ أقامت الأميرة السابقة
فوزية ( إمبراطورة إيران ) وزوجها شاه إيران بها في الشهور الأولى من الزواج
ـ كذلك أقام بالقصر في عهد
فؤاد العديد من ملوك أوروبا مثل ملك إيطاليا أمبرتو ، وملك بلجيكا ، وملك رومانيا
ويتميز
موقع هذه الحدائق بعمقه التاريخي ، فهو موقع ضاحية اليوزيسي القديمة التي أقامها
الملك بطليموس الثاني لإقامة شعائر عبادة آلهة القمح والحصاد وابنتها بريسفوني .
وكانت تلك الضاحية مسرحا لأعياد هاتين الآلهتين ، وكانت وفود العالم القديم ، وفي
مقدمتها بلاد الإغريق تأتي للاحتفال بهذه الأعياد ، وكان يتصادف وفاة بعضهم فكانت
تحرق أجسادهم وتحفظ في جرار تعرف بآنية الحضرة عثر على العديد منها في المنطقة
المجاورة وكانت تحمل نقوشا يونانية كشفت عن أهمية هذه المنطقة في خلال القرون
الثلاثة السابقة للميلاد وخاصة في أوائل العصر البلطمي .
المتحف
اليوناني الروماني
تبلورت
فكرة إنشاء المتحف بمدينة الإسكندرية في حوالي عام 1891م وذلك حفاظا على الآثار
المشتتة في مجموعات لدى الأفراد مثل " جون أنطونيادس " وغيره .
وقد
أقيم هذا المتحف في مبنى صغير في أول الأمر يتكون من خمس حجرات في شارع رشيد (طريق
الحرية حاليا) عام 1893م ولكن لعدم استيعاب هذا المبنى كميات الآثار المراد عرضها
قررت بلدية الإسكندرية إقامة متحف الإسكندرية وهو المبنى الحالي ومن تصميم ديتريش Dietriche وستينون Stienon وقد كان عدد قاعاته إحدى عشر
قاعة انتهى العمل فيها بصورة متكاملة عام 1895م حيث افتتحه الخديوى عباس حلمي
الثاني .
ونتيجة
للنشاط الأثري وتزايد الاكتشافات تطلبت الحاجة زيادة عدد القاعات لعرض ما يتم كشفه
من قطع أثرية ولذلك قامت بلدية الإسكندرية بزيادة عدد القاعات حتى وصلت 25 قاعة
حاليا .
واهتمت
هيئة الآثار بالمبنى من حيث تطويره تطويرا شاملا ، فقد كان تخطيط المتحف لا يتناسب
مع تخطيط المتاحف المتعارف عليها من حيث عدم استكمال دورة الزيارة مما سبب عدم
الانسياب وقد وضعت هيئة الآثار ذلك في الاعتبار عند التطوير .
وبذلك
أصبح المتحف في الوضع اللائق واستكملت الدورة الكاملة بحيث تبدأ من القاعة (6)
وتنتهي للمدخل العمومي بدون معوقات وبطريق يظهر التطوير التاريخي للمعروضات
الأثرية .
قامت
الهيئة بتطوير المبنى ووصله بجسم المتحف من الشرق للغرب وبذلك أصبح خط السير مستمر
بلا انقطاع بالنسبة لنقطتي البدء والنهاية ، وكان ذلك حجر الأساس في عمليات
التطوير .
عناصر
التطوير المتحفي :
لم
يقتصر التطوير على شكل المبنى فقط بما يحويه من عناصر هندسية وفنية ولكن شملت أيضا
طرق عرض الآثار حيث كانت بعض القاعات تختلط فيها القطع الأثرية من عصور مختلفة
ومتداخلة .
ولذا
فقد تم تنسيق العرض في القاعات تبعا للتطوير والتسلسل التاريخي والذي يمكن إيجازه
كما يلي :
أولا
: مدخل لحضارة الإسكندرية :
القاعة
رقم (6) التي تعكس لنا تاريخ الإسكندرية التي أنشأها الإسكندر الأكبر الذي يتصدر
جميع المعروضات إلى جانب عرض بعض اللوحات من الفسيفساء الذي يمثل مدينة الإسكندرية
القديمة والتي صورت على شكل سيدة .
ولأهمية
الديانة الجديدة التي أنشأها البطالمة في مدينة الإسكندرية للتقريب بين الحضارة
اليونانية والمصرية والتي تمثلت عند المصريين في صورة العجل وعند اليونانيين في
صورة الإله زيوس كبير الآلهة والتي ظهر تحت اسم عبادة " سيرابيس " لدى
كلا الجانبين والتي انتشرت في حوض البحر المتوسط ـ واستكمالا للعرض كان لزاما
تزويد هذه القاعة بالآلهة المصرية القديمة والتي أثرت وتأثرت بهذا العصر مثل
الآلهة إيزيس وابنها حربوقراط .
واستمر
عرض الآثار المصرية عامة من تماثيل برونزية وموميات من العصر الفرعوني وتماثيل من
الجرانيت والبازلت وصلتنا كهدايا أو زودتنا بها الحفائر بأبي قير وخلافها ومن
الفيوم تبين تأثير الفن المصري العريق على عمائر البطالمة كمعبد التمساح الذي عثر
عليه في ثيادلفيا ، أو بطن حربت حاليا ، ونقل للمتحف ويعرض بحديقته لضخامته .
ثانيا
: قسم النحت ( من 11-17 ) :
يعرض
شواهد قبور تمثل الفن الإغريقي الأصيل وبعض القطع التي تعكس التأثير المتبادل بين
كلا الفنين المصري واليوناني ثم الروماني الأصيل والمتأثر بالمصري القديم والتي
عرضت بطريقة متطورة بعد عزلها عن الجدران ، لحمايتها من الرطوبة وذلك بمعرفة مرمى
هيئة الآثار وبسواعد شباب الجامعات والمعاهد .
وبالنسبة
لفن النحت اليوناني الروماني ثم تخصيص القاعات ( 12-14 ) لعرض رؤوس تماثيل لملوك
مصر من العصر البطلمي وكذا أباطرة العصر الروماني الذين كان لهم أثر في تاريخ مصر
، والإسكندرية بصفة خاصة وأشهرهم الإسكندر وبطليموس الرابع وكليوباترا السابعة
وبطليموس الخامس وأيضا يوليوس قيصر الذي بدأت بمجيئه لمصر ملامح التغيير وانتقال
السلطة إلى روما ومن تبعه من أباطرة وأيضا عرض لأعمال فن النحت اليوناني والروماني
من أنحاء مصر المختلفة .
ثالثا:
قسم الفخار :
تم
تطوير هذا القسم لإظهار بعض النواحي الفنية من الفخار والزجاج حيث عرض مجموعات
جديدة لأول من القيشاني لأواني تعرف باسم أواني الملكات وترجع للعصر البطلمي . إلى
جانب ترتيب وتنسيق الأواني الفخارية ترتيبا زمنيا مما يفيد الزائر والدارس على وجه
الخصوص في تتبع المراحل التاريخية المختلفة وذلك بالإضافة إلى التماثيل الفخارية
الصغيرة التي تصور الآلهة المختلفة التي سادت خلال العصرين اليوناني والروماني
ومدى تأثيرها بآلهة وحضارة مصر القديمة
وقد
تم التركيز لأول مرة على دراسة مجموعات المسارح اليونانية والرومانية وتطورها ،
وقد تم تخصيص القاعة رقم (22) لعرض القطع الزجاجية عرضا متحفيا يبين تطور صناعة
الزجاج التي اشتهرت بها مدينة الإسكندرية وكانت من أسبق المدن لتصدير منتجاتها إلى
روما ودول البحر المتوسط وذلك في فترة العصر الهلينستي .
رابعا:
قسم العملة :
مع
التخطيط الجديد للمتحف وضم الجناح الجنوبي الذي استكملت به دورة الزائر رأت هيئة
الآثار جعل القاعة المستجدة متحفا كاملا وذلك لمجموعات العملة الضخمة التي يمتلكها
المتحف والتي تمثل فترة قبل الإسكندرية فالعصر البطلمي ثم الروماني والبيزنطي وذلك
إلى جانب إمتلاك المتحف لمجموعة هائلة من العملات التي ترجع للعصر الإسلامي بمختلف
حقبه .
أما
بالنسبة لحديقة المتحف فقد تم نقل القطع الأثرية التي كانت مكدسة به والمتكررة إلى
المناطق الأثرية الأخرى بالإسكندرية حيث عرض منها ما يصلح للعرض وتم تخزين ما لا
يصلح منها ـ وتشمل الحديقة الآن قطع أثرية منها التوابيت التي ترجع للعصر الروماني
والمزخرفة على هيئة الفستونات الوردية التي يحملها آلهة أو أبطال وغالبا ما كانت
توضع على التابوت صورة الميدوسا لحماية المقبرة من اللصوص ، وطبقا للأساطير
اليونانية ، وكانت هذه الميدوسا تحول كل من ينظر إليها إلى حجر ـ ذلك علاوة على
تماثيل لشخصيات هامة مثل أنطونيوس .
قد
تم تزويد المتحف بالوسائل السمعية والبصرية بجانب إعادة طبع بطاقات شرح جديدة
بالملفات العربية والإنجليزية والفرنسية لشرح كل أثر بجانب طبع كتيبات ودليل بنفس
اللغات لإعطاء فكرة كاملة عن محتويات المتحف وآثاره مزودة بالصور عن أهم القطع
الأثرية المعروضة داخل المتحف .. وذلك ضمن خطة الهيئة في تبسيط العلوم الأثرية
للزائرين .
جامعة
الإسكندرية
أنشئت
جامعة الإسكندرية باسم ( فاروق الأول ) بالمرسوم الملكي رقم (4) في الثامن من
أغسطس عام 1942م وبدأت الدراسة بها بثلاثة كليات هي الآداب والحقوق والهندسة ثم
أضيفت إليها أربعة كليات وهي العلوم والتجارة والطب والزراعة .
وفي
عام 1952م تم تغيير الاسم من فاروق إلى جامعة الاسكندرية وقد شهدت الجامعة منذ ذلك
التاريخ تطورا ونموا كبيرا بإنشاء العديد من الكليات والمعاهد العليا ثم انضمت
إليها كليات ومعاهد جامعة حلوان في عام 1989م ومؤخرا أضيفت إليها كليتي التربية
النوعية ورياض الأطفال .
وانطلاقا
من دور الجامعة الرائد في نشر العلوم والثقافة على مستوى الوطن تم إنشاء أربعة
كليات لفرع الجامعة بدمنهور وهي التربية والآداب والزراعة والتجارة ثم فرع لكلية
التربية بمحافظة مطروح وقد وصل عدد كليات الجامعة إلى ستة وعشرين كلية ومعهد علمي
.
وقد
تخطت الجامعة سياج المحلية لتؤدي دورها وواجبها نحو البلدان العربية الشقيقة وتم
إنشاء جامعة بيروت العربية عام 1960م حيث تقوم جامعة الإسكندرية بالإشراف
الأكاديمي وإمداد الجامعة بما تحتاجه من كوادر تعليمية وإدارية .
تدار
الجامعة من خلال مجلس الجامعة الذي يشكل برئاسة الجامعة وعضوية نواب رئيس الجامعة
وعمداء الكليات والمعاهد بالإضافة إلى أربعة أ‘ضاء من الخارج .
وتمنح
جميع كليات الجامعة درجات الليسانس والبكالوريوس ودرجات الدراسات العليا وكذلك
الدبلومات ما عدا المعهد العالي للصحة العامة ومعهد البحوث الطبية ومعهد الدراسات
العليا والبحوث فإنها تمنح درجات علمية على مستوى الدراسات العليا في فروع متداخلة
التخصص وتجدر الإشارة أن الدرجات العلمية التي تمنحها الجامعة معترف بها عالميا
وتؤهل حاملها لاستكمال دراسته بالخارج
وينظر
للبحث العلمي في جامعة الإسكندرية كعنصر أساسي ويؤدي برنامج البحث العلمي في
الجامعة إلى إتساع مجال الفهم والمعرفة الإنسانية عن طريق تقديم الخبرات العلمية
والنظرية للباحث وعضو هيئة التدريس وتقدم الجامعة الإمكانات البحثية والمعملية
وتقوم عدد كبير من الكليات بإنشاء معامل مركزية تتوافر بها الإمكانات اللازمة
لخدمة البحث العلمي .
كذلك
تقوم جامعة الإسكندرية إنطلاقا من دور الجامعة الحيوي في خدمة قطاعات المجتمع
المختلفة الصناعية والزراعية والإنتاجية بتنفيذ برامج خاصة لتدريب الطلاب المصريين
والعرب والأفارقة بهدف رفع وتنمية القدرات المهارية للمتدربين ويشرف على البرامج
نخبة من أ‘ضاء هيئة التدريس والخبراء المهتمين بشئون المجتمع .
وانطلاقا
من مفهوم أن ( الجامعة في خدمة المجتمع ) تقوم جامعة الإسكندرية بدور هام في تطبيق
نتائج البحوث من أجل منفعة ورفاهية المجتمع وذلك من خلال الوحدات الإرشادية وقوافل
النوعية والقوافل العلاجية والمعامل المركزية والوحدات ذات الطابع الخاص .
كما
تنظم الجامعة دراسات حرة لمواجهة احتياجات البيئة والمجتمع في شتى مجالات المعرفة
والثقافة والوعي البيئي وذلك بإقامة الندوات والمؤتمرات والحلقات الثقافية وبرامج
تعليم الكبار ومحو الأمية كما تهتم الجامعة بإعداد وتنفيذ دورات التدريب التحويلي
وذلك لإدخال الخبرة العلمية ضمن الإعداد الفطري لقطاعات المجتمع .
وفي
ضوء سعي الجامعة لتوطيد العلاقات العلمية والثقافية مع الجامعات والهيئات
الأكاديمية الدولية ترتبط الجامعة باتفاقيات تهتم بتبادل التجارب والخبرات
والزيارات ووفود الباحثين كذلك الاشتراك في فعاليات الحلقات الدراسية والندوات والمؤتمرات
.
مكتبة
الإسكندرية الجديدة
تقع
مكتبة الإسكندرية في مواجهة مجمع الكليات النظرية بجامعة الإسكندرية بمنطقة
الشاطبي وتطل واجهتها الشمالية على البحر المتوسط عند لسان السلسلة ، وموقع
المكتبة الجديد هو ذاته موقع البروكيم (الحي الملكي المنتمي للحضارة اليونانية
الرومانية) كما تدل على ذلك الحفريات الأثرية التي أجريت بالمنطقة في عام 1993 .
ويحد موقع المكتبة الكورنيش والبحر من الشمال مما يجعل المكتبة تطل على المنظر
الرائع للميناء الشرقية . وجود مركز المؤتمرات بالموقع على مساحة 5000 متر مربع
يساعد على الارتقاء بخدمات المكتبة .
عدد
الأدوار : 11 دور ، إجمالي مسطح الأدوار : 85405م2 ، ارتفاع المبنى : 33 متر
مسطح
المكتبة العامة : 36770م2 ،
عدد
المجلدات : 400.000 عند الافتتاح ، عدد الدوريات : 1500/4000
مواد
سمعية وبصرية – وسائط متعددة : 10000/50000 ،
عدد
المخطوطات والكتب النادرة : 10000/50000 ، عدد الخرائط : 50000
نظم
معلومات وقواعد بيانات متكاملة باستخدام الحاسب الآلي والوسائط المتعددة
والاتصال
بشبكة الانترنت .
يضم
مجمعة مكتبة الإسكندرية ، المكتبة الرئيسة ، مكتبة الشباب ، مكتبة المكفوفين ،
القبة السماوية ، متحف العلوم ، متحف الخطوط ، المتحف الأثري ، المعهد الدولي
لدراسات المعلومات ، معمل الحفاظ والترميم ، مركز المؤتمرات والخدمات الملحقة به
بالإضافة إلى الفراغات المتعددة الأغراض والمعارض .
الآثار
الغارقة
يرتبط
علم الآثار بغريزة حب الاستطلاع عند الإنسان ونزعته نحو معرفة المجهول ـ ولذا فلم
يكن غريبا أن نرى اهتمام القدامى من مصريين وبابليين بالبحث عن كل ما هو قديم وله
صلة بتاريخهم .
وكما
بدأ علم الآثار في الازدهار ومع مطلع القرن العشرين . فقد زاد الاهتمام في السنوات
الأخيرة بالبحث عن الآثار الغارقة تحت سطح البحر وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية
نظرا لغرق العديد من السفن الحربية والتجارية بما عليها من أسلحة أو كنوز وقد تكون
هذه الآثار محملة على سفن قديمة غرقت لأسباب مختلفة أو أغرقت بفعل فاعل وقد تكون
هذه الآثار مختفية تحت الماء بسبب زلازل أو براكين أو انزلاق للساحل أو ما شابه
ذلك منه . وتعتبر عملية انتشال الآثار الغارقة عملية معقدة إلى حد ما لا يمكن فيها
إتباع نفس الطرق المستخدمة في البحث عن الآثار المختفية تحت سطح الأرض فهي تتطلب
أدوات خاصة واستعداد بدني خاص لدى المنقب الأثري ـ وقد تلعب الصدفة دورا في العثور
على الآثار الغارقة تحت سطح الماء بواسطة الصيادين أو الغطاسين وقد يمكن تحديد
موقعها بفضل كتابات الجغرافيين والكتاب القدامى أو عن طريق دراسة الخرائط الملاحية
التي تحدد المواقع الخطرة على الملاحة البحرية والتي عادة ما تكون سفنا أو مبان
غارقة .
كما
تستعمل بعض الأجهزة الحديثة في تحديد المواقع الأثرية تحت الماء مثل فاحص الأعماق
بواسطة الصدى وجهاز قياس المدى وكاشف المعادن وجهاز قياس المدى المطور وجهاز رصد
وتحديد المواقع المتصل بالأقمار الصناعية أو بالأطباق الغائصة التي اخترعها إيف
كوستو والتي تحمل شخصين وتسمح بالحركة حتى عمق 300 متر ومزودة بأضواء كاشفة ونوافذ
للرؤية وأذرع يتم التحكم فيها من داخل المركبة . وعند تحديد الموقع الأثري يتم
إنزال الغطاسين مزودين ببدل الغطس المطاطية ومصدر قوي للإضاءة وأجهزة خاصة للتصوير
الفوتوغرافي والتليفزيوني ومضخات ماصة أو كابسة للتعامل مع الموقع الأثري ـ ثم
تبدأ بعد ذلك عملية انتشال اللقى الأثرية عن طريق رفعها إلى سطح السفينة أو الموقع
الثابت بمضخات أو حبال أو بالونات هوائية .
ولمدينة
الإسكندرية طبيعة متذبذبة خاصة فهي تختلف عن العديد من المدن ذات الطبيعة الثابتة
أو المستقرة المضطردة سواء إزدهارا أو تدهورا فقد اعترت المدينة منذ إنشائها
الكثير من التغيرات والتقلبات السياسية والعسكرية بالإضافة إلى التغيرات التي
سببتها العوامل الطبيعية والبشرية ومنها على سبيل المثال حرب الإسكندرية في 48 ق.م
، ثم استيلاء أوكتافيوس عليها في 30 ق.م . ثم غزو التدمريين لها في 273م ، يلي ذلك
حصار دقلديانوس للمدينة لمدة ثمانية أشهر ثم الاستيلاء عليها في 297م . ثم استيلاء
الفرس عليها في 615م ، يلي ذلك دخول عمرو بن العاص الإسكندرية سلما في 641م ثم
حربا للمرة الثانية في 645م ، وفي 1167 أثناء الحروب الصليبية اقتحم الافرنج الإسكندرية
واستولوا عليها ، لكن السلطان صلاح الدين الأيوبي طردهم منها في العام التالي ،
وفي 1202 استولى البنادقة على المدينة ، وفي 1250 استولى عليها ملك قبرص ، وفي
1267 غزاها الفرنجة من جديد ، وفي 1517 استولى عليها السلطان سليم الأول لتبدأ
فترة طويلة من الاضمحلال عانت منه المدينة حتى ظهور محمد علي باشا الذي حاول أن
يعيد للمدينة بعضا من ازدهارها القديم
هذا
من حيث التقلبات السياسية والعسكرية ، أما من حيث التغيرات الناجمة عن كوارث
طبيعية كالزلازل والفياضانات وحتى التغيرات الناجمة عن تدخل عامل بشري فقبل الحديث
عنها يجب أن نأخذ في الاعتبار أن المنطقة كانت معرضة دائما لانزلاقات التربة على
الخط الذي أقيمت عليه الإسكندرية ، ويحدثنا سترابون بأنه شاهد بنفسه الأثر الذي
تحدثه موجات المد الهائل الذي ربما نتج عن حركات أرضية ( زلازل ) وذلك على ساحل
بيلوزيون .
وقد
تعرضت الإسكندرية لعدة كوارث طبيعية منها طغيان البحر عليها في 365م والذي فسره
زوسيموس بأنه غضب من الله بسبب ما قام به الامبراطور جوليان أبو ستيس من ردة وعودة
إلى الوثنية ، ويشير اميانوس ماركللينوس إلى نفس الحدث ويضيف عليه أن الموج الهائل
قبل أن يضرب انسحب البحر بعيدا فظهرت بقايا الإسكندرية القديمة . وتؤكد مقولة
اميانوس ماركللينوس هذه الفكرة القائلة بغرق جزء من الخط الساحلي للإسكندرية بما
عليه من مبان تحت مياه البحر الأبيض المتوسط .
ويضيف
اميانوس ماركللينوس ( الذي كتب في القرن الرابع ) أن المنطقة الساحلية التي كانت
تشكل قلب المدينة بما تحويه من قصور ومبان هامة أخرى قد تم هجرها أثناء فترة حكم
الإمبراطور أوريليانوس ( حوالي 273م ) . ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى احتلال
زنوبيا للمدينة ثم استعادة أوريليانوس لها مع ما صاحب ذلك من تدمير للعديد من
أجزاء الإسكندرية ، وبعد ذلك بقرن تقريبا يصف ابيفانيوس المنطقة بأنها صحراء .
وطبقا
للمقريزي ـ هذه المرة ـ فقد تعرضت المنطقة لزلزالين مدمرين ، الأول في 956م
والثاني في 1303م .
يضاف
إلى ذلك عامل بشري تمثل في إلقاء والي الإسكندرية المسمى قراجا لعدد كبير من
الأعمدة المحيطة بعامود السواري في الميناء الشرقية وذلك في 1167م مما جعلها غير
صالحة للملاحة ، ثم وفي العصر الحديث بدءا من منتصف القرن التاسع عشر بدأت حركة
العمران على الخط الساحلي للإسكندرية في الازدياد مع بناء كورنيش جديد يمتد من رأس
التين إلى السلسلة أكتمل في 1906 ، ويلاحظ أن علماء الحملة الفرنسية قد سجلوا
العديد من المباني والبقايا الأثرية على ساحل الإسكندرية ، إلا أن هذه البقايا تم
تدميرها بقصد أو بدون لاستكمال المنشئات الحديثة فيما بعد .
وتعتبر
الإسكندرية من المدن القليلة التي حظيت باهتمام المؤرخين والجغرافيين والرحالة
وعلماء الآثار منذ إنشائها وحتى الآن .
وإذا كان لدينا العديد من المصادر التاريخية والأثرية القديمة التي تعاملت
مع الإسكندرية ـ فلدينا أيضا في العصر الحديث الكثير من الأبحاث والدراسات حول
الإسكندرية وربما كان أقدم هذه الدراسات الحديثة بحثين لجراتيان لوبير وسنت جيني
تضمنهما كتاب وصف مصر عن آثار الإسكندرية ـ وتلي ذلك أول دراسة شبه عملية يقوم بها
مصري في الإسكندرية في أواخر القرن التاسع عشر وهو محمود بك الفلكي المهندس الخاص
للخديو إسماعيل ثم دراسات عديدة قام بها بوتي أول مدير للمتحف اليوناني الروماني
بالإسكندرية ثم دراسة الكونت زغيب عن الإسكندرية القديمة تليها دراسة جاستون
جونديه عن المواني الغارقة في الإسكندرية ـ وتصل في النهاية إلى أحدث الدراسات
لأندريه برنارد عن الإسكندرية في عصر البطالمة إلى آخر دراسة ظهرت عام 1997 عن
الإسكندرية في العصور المتأخرة . وقد تؤيد الاكتشافات الأثرية الحديثة لفرانك
جوديو وجان إبف أمبرور في مجال الآثار الغارقة وجهة نظر الأثريين فقد تم انتشال
تمثال ضخم غارق للإله أوزوريس مما يبعث الأمل في العثور على تمثال الإلهة إيزيس .
وعن
أحدث الاكتشافات الأثرية بالميناء الشرقي للإسكندرية :
ربما
كان جراتيان لوبير ـ أحد علماء الحملة الفرنسية على مصر ـ أول من نبه إلى وجود بعض
الآثار الغارقة في ميناء الإسكندرية الشرقي في العصر الحديث ، وذلك عندما حاول
تحديد مكان جزيرة الماس الغارقة بما عليها من آثار شمال قلعة قايتباي ، وفي أوائل
القرن العشرين يسجل جاستون جونديه اكتشافه للميناء الفرعوني الغارق غرب جزيرة
فاروس ( رأس التين ) وامتداده حتى جزيرة أبو بكار الغارقة الآن قرب الورديان ، وفي
عام 1960 يحاول الغطاس المصري الشهير كامل أبو السعادات إجراء مسح لقاع الميناء
الشرقي لتحديد أماكن الآثار الغارقة كان من نتائجه انتشال تمثال ضخم لإحدى ملكات
البطالمة في هيئة الإلهة إيزيس . وفي 1968 تهتم منظمة اليونسكو بالمنطقة فترسل
الأثرية البريطانية هونور فروست لإجراء بعض الاكتشافات إلا أن مهمتها تفشل بسبب
طبيعة المنطقة العسكرية بعد حرب 1967 . وفي عام 1994 أسس جان ايف امبرور مركز
الدراسات السكندرية تحت إشراف المعهد الفرنسي للآثار الشرقية IFAO وبتمويل من مؤسسة Gedeon وأمكنه انتشال بعض القطع الأثرية الغارقة .
ولعل
أول محاولة علمية مثمرة لتحديد الجزء الساحلي المغمور من الإسكندرية وتوقيع العديد
من المواقع الأثرية المغمورة تحت مياه الميناء الشرقي على خرائط دقيقة كانت بعثة
فرانك جوديو الأثرية ( 96 – 97 ) . وقد ضمت هده البعثة 16 أثريا قاموا بإجراء 3500
غطسة في منطقة مساحتها 1 x 1
كم بدءا من قلعة قايتباي باتجاه الشرق في داخل الميناء الشرقي واستطاعت البعثة
تحديد موقع ما يزيد عن 1600 قطعة أثرية ما بين تماثيل ضخمة وعناصر معمارية من
أعمدة وتيجان وقواعد وكتل حجرية وبقايا رصف أو أماكن مرصوفة وفخار . وقد أعلن
جوديو عن اكتشافه في مؤتمر صحفي بالإسكندرية في 3 نوفمبر 1996 ، ونشر اكتشافه على
شبكة الإنترنت العالمية ، ولعل أهم ما أنجزه جوديو هو الخريطة التي أعاد فيها رسم
خط الساحل الغارق الآن بالإضافة إلى أماكن المنشئات الغارقة والتي تقوم على هذا
الخط الساحلي .
ويكاد
وصف جوديو لاكتشافه يتطابق مع وصف سترابون للمنطقة منذ ما يزيد من ألفي عام ،
فهناك صخور بعد دخول الميناء (بوغاز الميناء الشرقي) يتلوها رصيف السلسلة بما عليه
من قصور وميناءه الملكي ، ثم يأتي المسرح عند نهاية رصيف السلسلة يليه الساحل في
اتجاه محطة الرمل وصولا إلى لسان صخري وجد عليه أرضية مرصوفة بكتل من الحجر الجيري
ملتصقة ببعضها بمونة رمادية اللون تعلوها أجزاء من أعمدة دورية ـ غالبا ـ تمثل
بقايا التيمونيوم ، وعند انحناءة اللسان بالقرب من الساحل توجد أرضية أخرى تماثل
الأرضية السابقة عليها بقايا أعمدة ـ غالبا ـ هي بقايا معبد بوسيدون ، ثم يمتد
الساحل باتجاه محطة الرمل حيث وجد جوديو أرضية أخرى مبلطة كالسابق عليها بقايا
أعمدة كورنثية تمثل ـ غالبا ـ بقايا الامبريون ، وأمام الامبريون في داخل الميناء
تقع جزيرة انتي رودس والتي وجد جوديو عليها أرضية أخرى مبلطة بالحجر الجيري ملتصقة
ببعضها بمونة رمادية فوقها أجزاء من أعمدة كورنثية من الجرانيت الوردي وجزء من
مسلة عليها نقش هيروغليفي تمثل ـ غالبا ـ القصر الذي أشار إليه سترابون .
ومن
المرجح أن بقايا هذه المباني التي عثر عليها جوديو تعود إلى العصر البطلمي حيث أن
المونة المستعملة في تبليط الأرضيات ـ وهي ذات لون رمادي ـ كانت هي المونة
المستعملة خلال العصر الهللينستي وحتى بداية العصر الروماني الذي تميز باستعمال
المونة الحمراء بسبب إضافة مسحوق شقف الفخار لها كما نعرف من كتاب فتروفيوس الشهير
"عن العمارة"
نتائج
الدراسة :
حظيت
الإسكندرية باهتمام العديد من المصادر التاريخية القديمة مثل ديودورس الصقلي
وبسيودوكليسثينيس وأريانوس ويوليوس قيصر واخيليس تاتيوس وفاليريوس ماكسيموس
وأميانوس ماركللينوس وديون كاسيوس وكسينو كراتيس وبلوتارخوس وفيتروفيوس وبلينيوس
ويوليبيوس واثينايوس وسنيكا ، وعلى رأس هذه المصادر يأتي سترابون حيث أنه قد أفرد
جزءا كبيرا من كتابه السابع عشر فلإسكندرية ومعالمها . هذا بالطبع بالإضافة إلى
الدراسات الحديثة التي بدأت بعلماء الحملة الفرنسية واستمرت زهاء القرنين حتى آخر
دراسة صدرت منذ عدة أشهر للمؤرخ وعالم الآثار الفرنسي اندريه برنارد .
تعرضت
الإسكندرية للعديد من الكوارث البشرية التي أثرت بلا شك على مناطق عديدة وبخاصة
منطقة الحزام الساحلي للمدينة مثل حرب 48 ق.م . وغزو التدمريين لها في 273م ، ثم
حصار دقلديانوس لها في 297م وغير ذلك ويضاف إلى ذلك العديد من الكوارث الطبيعية
مثل طغيان البحر على ساحل المدينة في 365م والذي أغرق جزءا من الشريط الساحلي بما
عليه من مباني ، ثم زلزال عام 956م ويليه زلزال 1303م واللذان أديا إلى انهيار
العديد من معالم المدينة الشهيرة وبخاصة فنار فاروس .
يعتبر
وصف سترابون لمعالم الإسكندرية من أدق الأوصاف التي وصلتنا عن المدينة البطلمية
التي لم تكن قد تعرضت وقت زيارة سترابون لأي من الكوارث البشرية أو الطبيعية (
باستثناء حرب 48 ق.م ) وبالتالي فهو يعطينا صورة حية لما كانت عليه المدينة من
ازدهار خلال فترة حكم البطالمة لها .
بسبب
منطلق هذه الدراسة وهو التعامل مع المصادر التي تعرضت لمعالم الإسكندرية الواقعة
على الساحل والتي غرقت بفعل العوامل الطبيعية والبشرية لذا فقد تم التركيز على وصف
سترابون للمباني والمعالم الواقعة على الحزام الساحلي مبتدءا برأس لوخياس ومنطقة
القصور والميناء الملكي متجها إلى الغرب مرورا بجزيرة انتي رودس بقصرها وميناءها
الصغير ثم المسرح فاليوسيديون والتيمونيوم ثم السيزاريون ومنطقة الامبوريون ثم
الأرسينويون فالمستودعات والمخازن وأحواض بناء السفن ، وبهذا يصل سترابون إلى
الميناء الغربي فيصف الكيبوتوس ثم يعود إلى الشرق ليصف ضاحية نيكوبوليس ، وقبل كل
ذلك كان سترابون قد تعرض بالوصف للفنار والهيبتاستاديون .
أثبتت
الأبحاث الأثرية الحديثة في مجال الآثار الغارقة وبخاصة بعثة فرانك جوديو صحة وصف
سترابون ودقته إذ أمكن تحديد بقايا الجزء الغارق من رأس لوخياس وبقايا القصر
والميناء الملكي ، كما أمكن تحديد ـ غالبا ـ بقايا التيمونيوم والبوسيديون والقصر
المقام على جزيرة انتي رودس الغارقة والامبريون ، ومن الملفت للنظر أن هذه البقايا
تقع غالبا ـ تقريبا ـ في نفس المواقع التي قال بها سترابون .
انطلاقا
من هذا قد يمكن البحث عن بقايا بعض المعالم الأخرى التي وصفها سترابون ولم تعثر
عليها بعثة جوديو ـ حتى الآن ـ وربما أمكن العثور على بقايا من فنار فاروس إلى
الشمال والشرق والغرب من قلعة قايتباي . كما قد يمكن البحث مستقبلا عن بقايا ضاحية
نيكوبوليس التي وإن لم يتأكد لدينا غرق أي جزء منها إلا أنه من الممكن أن تكون بعض
بقاياها مغمورة في المنطقة ما بين مصطفى باشا إلى جليمونوبولو ، وقد يمكن أن ينسحب
ذلك أيضا على ضاحية كانوبوس على ساحل أبو قير حاليا وهي المنطقة التي تخرج منها
بين الحين والآخر بعض البقايا الأثرية وإن كان بشكل غير رسمي
وتقع
الآثار الغارقة أمام الساحل بين الإسكندرية وأبو قير على أعماق تتراوح بين 5 و8
متر تحت سطح البحر وهي أعماق أكبر بكثير من أن تتسبب فقط إلى الارتفاع الكوني لسطح
البحر نتيجة ارتفاع درجة الحرارة ( والذي يصل إلى 1.5 سم كل 100 عام ) بل إلى هبوط
القشرة الأرضية أمام الدلتا .
لذلك
تلعب دراسات الآثار الغارقة دورا هاما في الفصل بين الأسباب المختلفة للتغير في
سطح البحر في موقع معين وتحديد الأهمية النسبية للعاملين الرئيسين وهما التغير في
الأحوال الجوية والأحداث الجيولوجية التي تؤدي إلى انخفاض أو ارتفاع القشرة
الأرضية بفعل العوامل التكوينية والبركانية وهبوط القشرة الأرضية نتيجة تراكم
الطمي على سواحل القارات والدلتا والأنهار .
ويهتم
العلماء بدراسة التغير في سطح البحر على طول ساحل البحر المتوسط بالمقارنة بين
قراءات مقاييس المد والجزر في عدد من المواني ولكن هذه المحيطات حديث العهد ( بين
10 ، 100 عام ) ومحدودة العدد ( 32 فقط ) وبالرغم من أن هذه البيانات أكثر دقة ،
إلا أنها لا تغني عن الدراسات المبنية على المقارنة بين المواقع الأثرية البحرية
مثل السفن الغارقة والآثار المغمورة وبقايا المواني القديمة والتي يزيد عددها على
الألف وتغطي أعمارها فترة 2000 عام أو أكثر .
ويوجد
حاليا سجلا ومواقع 1035 موقعا أثريا في البحر المتوسط أمكن تقدير عمر الموقع
ومستوى سطح البحر في 335 محطة أثرية منها ، أما باقي المواقع فهي ثروة علمية قيمة
لم تنشر أو لم تتم بعد .
وبين
هذه المحطات الأثرية يوجد أربعة على الساحل المصري لم ينشر عنها أرقام علمية محققة
. وهذا يشير إلى قلة ما هو معروف عن الساحل المصري من حيث المعلومات الأثرية
على
الرغم من وجود المجلس الأعلى للآثار ( S.C.A ) فى مصر منذ القرن الماضى فإن الإدارة العامة للآثار الغارقة ( D.U.A ) التابعة له لم تنشأ إلا في عام 1996 ويرجع سبب إنشاء هذه الإدارة بشكل مباشر إلى
الحفائر التى أجريت عند سفح قلعة قايتباى عام 1995، وإلى الاكتشافات التى تمت لجزء
من الحى الملكى لمدينة الإسكندرية القديمة فى الميناء الشرقى فى عام 1996 . ويعتبر
البعض ذلك التاريخ هو بداية علم الآثار
الغارقة فى مصر ، بينما يرى آخرون أن عام 1962 ذو أهميه خاصة فى هذا الشأن حين
انتشل من البحر تمثال ضخم من الجرانيت لإيزيس فاريا .
وربما
وجب علينا – لمزيد من
الإنصاف - أن نعود في تأريخ مجال
الآثار الغارقة في مصر إلى عام 1910 والعمل الذى قام به المهندس الفرنسى Gaston
Jondet أثناء
توسيع ميناء الإسكندرية الغربي إذ لاحظ وجود ما قد يكون إنشاءات ميناء قديم،
تقع في البحر المفتوح إلى الشمال وإلى
الغرب من رأس التين ، حيث شيد القدماء حواجز أمواج قوية مكتملة إلى حد كبير على
بعد حوالى 400 متر إلى الشمال من الساحل الحالى ويتراوح السمك عند السطح ما بين 12
إلى 15 متر ، وهذا السمك يعينها على مقاومة اعتي العواصف في المنطقة . ويصل طول
الأفرع الرئيسية الثلاثة إلى حوالي 2كيلو متر ، مما يتيح لنا القول بأن هذا
الميناء كان يمتد باتجاه الغرب إلى صخرة أبوبكر .
كما
اكتشف Jondet أيضا بقايا حاجز الأمواج الذي يغلق خليج
الأنفوشى فيما عدا فتحة توجد فى أعمق جزء من قاع البحر .
وفى
عام 1933 لعبت الصدفة ـ مرة أخرى ـ دورا
في أحد الاكتشافات الأثرية ، ففي أبي قير ، و على مبعدة حوالي 30 كيلومتر من
قايتباى شرق الإسكندرية ، لاحظ طيار من السلاح البريطانى أطلالا غارقة على شكل حدوة الحصان تحت الماء أثناء تحليقه
فوق الخليج . فتحمس الأمير عمر طوسون لهذا الكشف واستعان بأحد غواصي المياه
العميقة ، وانطلق يوم 5 مايو 1933 إلى المنطقة المشار إليها حيث أخرج الغواص فى
نفس هذا اليوم رأسا من الرخام للإسكندر وجدت على عمق 5متر وعلى بعد 450 متر من
الأرض إلى الشرق من طابية الرمل "
قلعة الرمل".
وفى
خلال الصيف من نفس العام قام الأمير عمر طوسون ومساعده بعدد من الاستكشافات، أدت
إلى الكشف عن بقايا أخرى :
1- معبد يبعد 240 متر من
الساحل أمام رأس رصيف ميناء أبى قير، حيث
يوجد اثنتا عشرة أسطونا.
2- إلى الجنوب من هذا الرصيف
كان يوجد رصيف آخر مواز له جيد البناء .
3- في داخل الخليج نفسه يوجد
سبعة أرصفة مبنية تتراوح أطوالها ما بين 100 إلى 250 متر وعرضها ما بين 4 إلى 6 متر
، ويصل ارتفاعها إلى حوالى 1 متر وقد بنى أحدها بالطوب بينما شيد الباقى بالحجارة
.
4- فى المكان الذى وجدت به
رأس الإسكندر ، يوجد كذلك أساطين وقواعد أساطين من الجرانيت والرخام .
ورأى
عمر طوسون أن الموقع الذي عثر فيه على رأس الإسكندر يمثل معبد ، وأن الموقع الذي
يقع إلى الشرق منه – ومعظمه أساسات مباني – يمثل محلة سكنية .وبمقارنة هذا الكشف بالمصادر القديمة ، استطاع
أن يربط بين هذا الموقع وبين مدينة مينوتيس وبتحديد موقع مينوتيس أمكنه تحديد موقع
هيراكليوم على الخريطة التي نشرها عام 1934.
وبعد
مرور فترة طويلة خلت من الاكتشافات الهامة ، بدأ فى الستينيات من هذا القرن عهد
جديد من البحث مع كامل أبو السعادات ذلك الغواص الذي تصادف أن زار أهم المواقع
بالإسكندرية في الميناء الشرقي وخليج أبي قير، فقد لاحظ في عام 1961 وجود أطلال
حجرية ترقد عند سفح قلعة قايتباى ، وكذلك في السلسلة إلى الشرق من رأس لوخياس
القديم.
وفى
يونيو من العام التالي، قام بمساعدة
البحرية المصرية بانتشال تمثال ضخم من الجرانيت الأحمر لرجل بالحجم الطبيعى كان
يرقد بجوار رأس السلسلة ، ويرجع إلى العصر الهلينستى ، وبعد مضى خمسة أشهر ، رفع
نفس الفريق التمثال المعروف بإيزيس فاريا من المياه بجوار قلعة قايتباى، وهو أيضا
من الجرانيت الأسود ، ويبلغ طوله 7متر، وربما كان يمثل زوجا مع التمثال الضخم الذى
اكتشف فى نفس المكان بعد ثلاثة و ثلاثين عاما .
أستأنف
أبو السعادات مره أخرى مواصلة استكشافاته ، ومن ثم قام برسم الخرائط التالية للمواقع التي اكتشفها و سلمها
إلى المتحف اليوناني الروماني .
وقد تضمنت الأولى ثلاثة مواقع :
[1] الموقع عند سفح قلعة قايتباى ( فاروس) .
[2] الميناء الشرقي ( جزيرة
أنتيرودس وميناء صغير وأرصفة بحرية عديدة ).
[3] السلسلة والشاطبى ،حيث
عثر بالقرب من الشاطئ على إنشاءات قديمة مغطــاة بالرمال و أساطين جرانيتية
وتوابيت حجرية على شكل آدمي وعملات .
وكانت
الخريطة الثانية لخليج أبوقير، حيث حدد
عليها مواقع حطام عدد من سفن أسطول نابليون بالإضافة إلى مدينتى عمر
طوسون .
و قد تابع أبو السعادات نشاطه خلال السبعينيات
وحتى الثمانينيات حيث لاحظ فى المعمورة – شرق الإسكندرية حوالي خمسة كيلومترات غرب أبى قير – وجود- ما اعتقد أنه- حاجز بحري طوله 250 متر
والعديد من المرساوات الحجرية، كما اكتشف عدة أرصفة بحرية حول جزيرة نلسون بأبى
قير طولها 300 متر ، وتمتد فى كل الاتجاهات.
كما قام أبو السعادات أثناء حياته بدور المرشد الخبير لعدد من البعثات التى عملت في
مجال الكشف عن المواقع الأثرية المغمورة بالإسكندرية ، وخاصة Honor Frost رئيس بعثة اليونسكو إلى موقع قلعة قايتباى في عام 1968.
في
عام 1983 استطاع Jacques Dumas
والبحرية الفرنسية بالتعاون مع البحرية المصرية والغواصين وبإشراف هيئة الآثار
المصرية E.A.O.
اكتشاف سفينة القيادة بأسطول نابليون L’Orient راقدة على عمق 11متر على بعد ثمانية كيلو مترات من شاطئ خليج أبى قير ، وخلال ثلاثة مواسم من
عام 1983 إلى عام 1984 تم اكتشاف ثلاثة قطع
أخرى من حطام السفن ( ربما تكون LeGuerrier, L'Artimise, La Serieuse, ) لكن مع الأسف فقد اختفت
وثائق Dumas بعد
موته في المغرب عام 1985، إلا أن موقع السفن ما يزال معروفا ، و في عام 1986 أجريت
حفائر على السفينة Le Patriote ، و كانت تقع على عمق أربعة أمتار في أقصى غرب
شعب الفارة الصغير ، قرب العجمى إلى الغرب من الإسكندرية.
هذا
وقد تم انتشال بعض العناصر من الموقع متمثلة في :
مدافع حديدية وطلقاتها وبنادق
وطبنجات ، وأخشاب من L’ORIENT ، وبعض من تسليحها ، بالإضافة إلى ماسك الدفة و عناصر من أزياء طاقم السفينة ( أزرار، حلقات
أحزمة ، أحذية ) ، فضلاً عن أدوات الحياة اليومية ( أدوات مائدة ، أطباق من
الفخار، زجاجات نبيذ قوارير عطور من الزجاج ) وكذلك عملات من الذهب والفضة
والبرونز ، و أيضا مجموعات من حروف الطباعة الخاصة بماكينات الطباعة .
لقد
شهد مجال الآثار الغارقة فى مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة أنشطة عديدة وعظيمة،
نتج عنها اكتشافات هامة، وقد أدت هذه الاكتشافات إلى ظهورعدة آراء علمية خاصة
بالمواقع التي تم الكشف عنها .
ويمكن
إيجاز تلك الاكتشافات فيما يلى :
1- موقع
قايتباى :
أعاد
مركز الدراسات السكندرية بالتعاون مع
إدارة الآثار الغارقة بالإسكندرية اكتشاف الموقع المغمور إلى الشرق من قلعة
قايتباى، حيث تم توقيع أكثر من2500 قطعة
تضم تماثيل آدمية و تماثيل لأبى الهول وأساطين مختلفة الأشكال وتيجان وقواعد
وأجزاء من مسلات ، وهذه القطع من أحجار مختلفة كالجرانيت و الكالسيت
والكوارتزيت و الحجر الجيري والحجر الرملي والجريويكة ، وأوزانها أيضا مختلفة (
فبعضها يصل وزنه إلى 75 طن ).
ورغم
أن الموقع يضم لقي من العصر الفرعوني ،
إلا أنه يؤرخ بالعصر اليونانى الرومانى .
وقد
قام نفس المركز بعمل مسح لحطام السفن إلى الشمال من قلعة قايتباى ، حيث تم تحديد
ثلاثة مواقع من حطام السفن فى هذه المنطقة عند مدخل الميناء القديم للإسكندرية، لم
يتبق منها أية أجزاء خشبية ، ولكن عثر على
أوانى فخارية وأدوات الحياة اليومية ومرساوات معدنية وحجرية . وتعود هذه اللقي إلى فترة تمتد من القرن الثالث ق.م حتى القرن
السابع الميلادى .
2-
الميناء الشرقى للإسكندرية :
قام
المعهد الأوروبي للآثار تحت الماء (IEASM )
بعمل مسح طبوغرافى وحفائر أثرية بالميناء الشرقي بالإسكندرية وذلك بالتعاون مع
المجلس الأعلى للآثار، وبعد خمس سنوات من
المسح والحفائرتم التوصل إلى النتائج الآتية
:
1- تحديد و رسم خط الساحل
القديم، والصخور الغارقة، وجزيرة أنتيرودس، والألسنة البحرية التى تبرز من الساحل القديم
إلى البحر ، والأرصفة الصناعية بدقة كبيرة.
2- تحديد مواقع أطلال مبانى
على شبه جزيرة التيمونيوم وجزيرة أنتيرودس.
3- اكتشاف وتسجيل ما يزيد عن ألف من القطع الأثرية المختلفة تشمل
أساطين وقواعد أساطين وتماثيل لأبى الهول
وتماثيل آدمية وأجزاء من مسلات وأواني فخارية.
4-العثور علي حطام سفينة رومانية تبرز من الرواسب في قاع الميناء
قرب جزيرة أنتيرودس .
كما
عثر في موقع السفينة الغارقة على عدد من اللقى الأثرية كالأواني الفخارية والزجاج
والعملات ، ولعل أهم تلك اللقى خاتمان من الذهب
_ يحمل أحدهما نقشاً غائراً _ كانا يرقدان على الألواح الخارجية بين اثنين
من ضلوع السفينةوفي عام 1998، و بناءا علي
طلب بييير كاردان التصريح ببناء فنار في الميناء الشرقي بالإسكندرية ،فقد قامت
الإدارة بعمل مسح أثري استغرق خمسة عشر يوما للمنطقة المخصصة للمشروع و ما حولها
بمساحة حوالي 240 ×240 متر . حيث قام فريق العمل من مفتشى الإدارة بإجراء ثمانية
مجسات استكشافية و توقيع نقاط باستخدام جهاز GPS) ) .
وبعد
مقارنة تلك النتائج بخرائط كامل أبو السعدات وجدوا أنفسهم فوق أرصفة بحرية لميناء
صغير . ويحتاج هذا الموقع لمزيد من الوقت و التمويل المادي خاصة مع الأخذ في
الاعتبار مستوي التلوث و الإرسابات الرملية فوق تلك الأطلال .
3 -
الساحل الشرقي للإسكندرية :
في
عام 1997 ، قامت الإدارة العامة للآثار الغارقة بعمل مسح أثرى استمر حوالي خمسة عشر يوما عند رأس السلسلة،
وهو الموقع الذى كانت تقوم عليه مجموعة القصور البطلمية ، والذى داهمه خطر إلقاء
هيئة حماية الشواطئ لكتل حديثة من الخرسانة به .
وقد
لاحظ مفتشو الإدارة وجود أساطين جرانيتية ، وتابوتين على شكل آدمى وذلك في منطقة امتدادها 30×400متراً ،كما
لاحظوا اختفاء ماذكر أبو السعادات أنه شاهده وذلك أسفل الإرسابات الرملية .
بدأ
المعهد الهلينى للحفاظ على التراث البحري بأثينا ، بالتعاون مع إدارة الآثار
الغارقة عمل مسح أثرى على الشريط الساحلي ، و الذي يمتد مسافة ثلاثة كيلومترات من
كازينو الشاطبى حتى منطقة سيدى جابر وقد أظهر المسح عدد هام من القطوع الصناعية فى
الحجر الصخرى فى العديد من النقاط على الشاطئ أمام الإبراهيمية وسيؤدى المزيد من العمل إلى فهم وتفسير هذه
القطوع الصخرية.
كما
عثر على كشف آخر عبارة عن مجموعة من الأوزان الحجرية على منطقة صخرية تبعد 600متر
عن ساحل الإبراهيمية ، معظمها مربع ومسطح بثقب واحد أو اثنين أو ثلاثة لتثبيت
الحبل والمخالب الخشبية . وقاع البحر فى هذا الموقع مغطى بالشقف الفخارى وخاصة
أعناق وأجزاء الأوانى. وتخضع كل هذه اللقى الأثرية حاليا للدراسة .
4-المعمـــورة
:
أسفرت
أعمال المسح الأثري التحتمائي في مياه خليج أكتوبر 1999 عن العثور علي ثلاثة مواقع
أثرية تحتمائية هي موقع امفورات ، أخشاب ، أرصفة .
وقد
شهد نوفمبر 99 دراسات متعمقة وتسجلية في
هذه المواقع ، أسفرت هذه الدراسات عن حصر لعدد
الامفورات ، حيث عثر علي ما يزيد عن مائة أمفورة ، الغالبية منها من طراز
كابتان 2 أما البقية فهي من طرز معاصرة له . ونتيجة للتيارات البحرية ، فأنه من
الواضح أن هذه الامفورات قد تجمعت علي
سلسلة الصخور الموازية للساحل .
كذلك
عثر علي مجموعتين من المرساوات الحجرية علي شكل شبه منحرف يحتوي كل مرساة منها علي
فتحة واحدة ، تتـــراوح اوزان هذه المرساوات ما بيــــــن (180 – 230 كجم) تتكون
المجموعة الاولي من أربعة مرساوات ، وعلي مبعدة 150 م إلي الشرق في مواجهة السلسلة
الصخرية ، تقع المجموعة الثانية التي تتكون من خمسة مرساوات .
من
كل ماسبق ونظرا لوجود هذه المواقع الثلاثة بالإضافة إلي ما تحتويه من لقي أثرية
فإن التفسير المبديء يؤكد أن المنطقة شهدت
أنشطة بحرية علي نطاق واسع .
و مازال العمل جاريا فى هذا الموقع في الوقت الحالي ويقوم به أثريون مصريون.
5- أبــوقيــر
:
في
عام 1998 ، بدأ المعهد الأوربي للآثار الغارقةIEASM بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار بعمل حفائر مركزة على سفينة القيادة L’ORIENT ، و ذلك بعد عمل مسح جيوفيزيائى في عامي 1996، 1997 .
وقد
أظهرت الحفائر عدداً ضخماً من القطع الأثرية التي تصور الحياة الخاصة بالبحارة
والجنود والضباط على ظهر السفينة فى ذلك الوقت.
كما
عثر على عدد كبير من العملات الذهبية من مالطا وأسبانيا والبرتغال وفرنسا ومصر
واسطنبول والنمسا ، وكان آخر الاكتشافات من ذلك الأسطول الغارق- بعد مرور مائتي
عام من فقده - هو مدفــع برونـزي من السفينة
Serieuse La
التى
تقع على بعد 2كيلومتر جنوب سفينة القيادة L’ORIENT .
أسفرت
أعمال المسح الأثري والحفائر التحتمائية في خليج أبي قير وخاصة في موقع مدينتي
" مينوتس وهيراكليوم "
الغارقتين عن العثور علي بقايا العديد من الأبنية القديمة أهمها معبد إيزيس
، بالإضافة إلي بعض العناصر المعمارية
والمنحوتات التي تحمل العديد من النقوش الهيروغليفية كما عثر علي عملات ذهبية وحلي
ترجع إلي العصر البيزنطي وبدايات العصر الإسلامي.
وقد
أجريت دراسات متعمقة لقاع البحر لكشف أسباب غرق هذه المدن بالإضافة إلي عدة محاولات لكشف الأمتداد القديم الفرع الكانوبي للنيل
الذي كان يمر إلي الشرق من هيراقليوم .
6-
الساحل الشمالي الغربي :
ذكرت
العديد من المصادر الكلاسيكية أن الساحل الشمالى الغربى كان غنيا بالمواقع الأثرية
والموانى وقدم كتاب Stadiasmus of Great Sea
في
القرن الرابع وصفا مفصلا للساحل الشمالى من الإسكندرية إلى السلوم .حيث أشار إلى
تسعة وعشرين موقعاً منها أربعة عشرة عبارة
عن موانى .
ونظرا
لأهمية تلك المنطقة قام معهد الآثار البحريةINA-Egypt بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار بعمل مسح أثرى من منطقة تنَوم
إلى رأس حوالة شرق مرسى مطروح فى عامى 1995و1998
وقد
أظهر المسح وجود خمسة مواقع تحتوى على مرساوات حجرية ومعدنية، وجرار فخارية ترجع
إلى العصريين اليوناني و الروماني (مــن القرن الثانى ق.م إلى القرن الثالث م ).
ويعد
هذا العمل خطوة أولى فى مشروع إعداد خريطة للمواقع الأثرية على طول الساحل الشمالى
الغربى لمصر.
وأخيراً
فهذا العرض السريع للأنشطة الأثرية فى بحار مصر خلال هذا القرن يوضح أن هذا العلم
قد تطور من محاولات فردية إلى جهود علمية منظمة ،كما يثبت أيضا أن بحار مصر - خاصة
الإسكندرية- غنية بالبقايا الأثرية .
إذاعة
الإسكندرية
يطلق
على إذاعة الإسكندرية أنها رائدة الإذاعات الإقليمية حسبما يقوم – نبيل عاطف أحد مديرى هذه الإذاعة – والذى ألف كتابا عنها تحت هذا العنوان ويقول
فى مقدمته أن المؤرخ الذى يؤرخ لإذاعة الإسكندرية أنما يؤرخ للنقاط الكثيرة
التالية :-
- نشأه
الأعلام التنموى أو المحلى أو الإقليمى
- كفاح جنود مجهولة لينطلق صوت إذاعة الإسكندرية
من عروس البحر الأبيض المتوسط
- الإسكندرية
قطعة غالية من تاريخ مصر الحضارى والثقافى والاجتماعى والسياسى
- بيئة
الإسكندرية الفنية بمواهبها الثمينة بكل معطيتها
- تلك
الشخصية الفذة التى عرفتها ابتداء من الإسكندر الأكبر ومهندسه العظيم دينوكراتيس
وصولا إلى العصر الحديث
- تلك
هى التجربة الرائدة فى مجال الأعلام المحلى التى قدمتها إذاعة الإسكندرية
- أحياء
الإسكندرية وشوارعها ودروبها بكل ما تحمل من مميزات
- الشخصيات
العظيمة التى حضرت تاريخها من أعلام وعلماء وشعراء وأدباء وموهبيين فى العطاء
أعطوا بكل سخاء
- جامعة
الإسكندرية التى كانت ومازالت سباقه فى كل شئ حتى أول برقية تأييد لثورة يوليو
- الخبر
والحوار والغناء والدراما والخدعة التى قدمتها إذاعة الثغر ومازالت تقدمها إلى
جانب خصوصية الإسكندرية فى مجال السينما والصحافة والمسرح والترجمة والإشعاع
الثقافى الذى مازلنا ننهل منه.
على
أن سيد درويش وسلامة حجازى وكامل الحلمى وجورج أبيض هذا من جهة وأبا الحسن الشاذلى
وتلميذه أبا العباس المرسى قد رسموا ملامح الإسكندرية الفنية والصوفية فمثلا أن
القكشبندى صاحب كتاب صبح الأعش فى صناعة الأنشا – قد نال أجازته العلمية من الإسكندرية.
ومثلا
أن الجاليات الأجنبية قد تركزت فى فترة من الفترات فى المدينة الخالدة – احتلت وأثرت وتأثرت ومثلا كيف لنا أن ننسى
دور البطالمة ودار الحكمة ومكتبة الإسكندرية القديمة وفنار الإسكندرية وكليوباترا
ويوليوس قيصر وأنطونيو وأكتافيوس ............وكان لنا أن ننسى القبارى والشاطبى
والطرطوشى والمحافظ السلفى .
وكيف
لنا أن ننسى فتح العرب لمصر ثم الإسكندرية وتلك القبائل العربية المنتشرة فى كل
مكان.
وكيف
لنا أن ننسى الصناعات المختلفة التى تركزت فى المدينة وكيف لنا أن ننسى الإسكندرية
–البحر والميناء.
وكيف
لنا أن ننسى محمد كريم والثورة العرابية ولسان حالها وخطيبها المفوه عبد الله
والمنقب الصادق والمفتش سوف ينبهر بالإسكندرية تاريخا وحضارة وعلما وفنا.
كيف
لنا أن ننسى من الشعراء القبانى والأنصارى وبيرم والكمشوش وأبو فرج والقائمة طويلة
عن الحصر.
كيف
لنا أن ننسى سيف وانلى وأخاه أدهم وحسين صبحى وقصة البينالى فى الإسكندرية.
ومن
هنا تأتى الصعوبة – فالتأريخ لإذاعة الإسكندرية أنما هو تأريخ
للمدينة الخالدة بلى تأريخ للبحر والميناء تأريخ للصحافة وعلى رأسها نسيم وبشارة
تقلا – تأريخ للعظمة والحضارة والحب والسلام
والصمود والبطولة – تأريخ للفن بكل أبعاده.
كيف
لنا أن ننسى حافظ عبد الوهاب وعبد الحميد حمدى وعلى نور وجمال توكل وصابر مصطفى
وحسين أبو المكارم وعبد الحى شحاته وخالد منيب وصبرى عبد العال ونبيلة سنبل
كيف
لنا أن ننسى على الليثى وفؤاد أبو العلا وعبد الفتاح قدرى ومختار أبو السعد وفريد
ورجاء هجرى صلاح وتهانى أبو السعود.
ومما
يزيد صعوبة التأريخ لإذاعة الإسكندرية أنه فى غمرة الأحداث وسرعة إيقاع العصر
ودخول الأعلام المرئ ظلت الإذاعة تصرخ فى سحيق وما من مجيب – فتقلصت مكانتها ، ومازالت تقول كلمة الحق – تسلب أعز ما تملك من بناء وأجهزة وهى مصرة هلى مواصلة الطريق – تمضى أربعة وأربعون سنة بحلوها ومرها – بطولها وعرضها وتصبح أجهزتها بالية – ولا تجدد من يجدد شبابها ......
كانت
هذه مقدمة الكتاب الذى أصدره نبيل عاطف – الذى أقضى فى إذاعة الإسكندرية ستة وثلاثون سنة – منذ فجر شبابه إلى بداية خريف العمر المديد
له بإذن الله وكان صادقا وأمينا فى سرد كل ما مر بإذاعة الإسكندرية ، ومن ثبات ما
كتبه عن إذاعة الإسكندرية والأشياء العشرة التى أشار إليها نجد أنفسنا ونحن نكتب
عن روعه وعطاء الزمان والمكان ، والإنسان فى الإسكندرية العظيمة التى أخذت عطاء
هذا الإنسان الذى أحب الإسكندرية وأعطته التاريخ والمكان فولدت الروعة – نحن أنفسنا فى موقف أكثر صعوبة من تلك
الصعوبة التى وجد نبيل عاطف نفسه فيها – لكن روعة الإسكندرية زمانها ومكانها هى التى
تدفعنا أن نصمد للحديث عن الإسكندرية تاريخها وحضارتها وفنها وجمالها وأنسانها كما
تصدى نبيل عاطف فأخرج لمحبى الإسكندرية وإذاعتها كتابه عن رائده الإذاعات المحلية.
وقد
أنشئت إذاعة الإسكندرية بموجب القرار الجمهورى رقم 71 لسنة 1954 بتاريخ 14 يونيو
سنة 1954 .
افتتحت
يوم الأثنين الموافق 6 ذى القعدة 1373 ه –16 يوليو 1954 م
وكانت
تشغل مساحة 14000 متر مربع.
ولقد
أستغرق إنشاء دار الإذاعة أقل من عام ونصف حيث بدء العمل فى أول يناير لعام 1956
وانتهى فى آخر مايو 1957 .
حافظ
عبد الوهاب:
هو
الذى جاء إلى الإسكندرية لا يعرف فيها أحدا ، جاء ليبحث وراء المواهب فى كل مجال
حتى استطاع أن يحصل على ما يريد للإذاعة التى أنشأها .
فقد
قدم للمستمع برامج مترجمة لسيرة وتاريخ أعلام الإسكندرية وأقطابها فى كل المجالات
، وتحكى مسيرتهم وتلقى الأضواء على إبداعهم – ثم فى مجال الموسيقى والغناء والألوان الحقيقية – والبرامج الثقافية ومهرجانات الشعر وكتب
حافظ عبد الوهاب فى دراسة له أن البرامج الثقافية تقدم الفن والفكر بالثغر – على ضوء الفنار – صوت الشباب أدب الشاطئ – هذا إلى جانب تسجيلات القرآن الكريم.
وحافظ
عبد الوهاب – يمكن أن نطلق عليه حقيقة لا مجازا أنه أبو
إذاعة الإسكندرية فقد تعهدها وهى تحبو بل نقول أنه ساعد فى ولادتها إلى أن أصبحت
إذاعة فنية مسموعة يفخر بها السكندريين وخرج منها أعلام فى سماء الفن الإذاعى
والتمثيلى عمالقة تركوا الإسكندرية لكنهم مازالوا يرتبطون بها وحنينهم إلى مهدهم
الأول مازال باقيا فى عقولهم وأفئدتهم.
الإذاعى
القدير : جمال توكل ..
جمال
توكل هو ذلك الوجه الهادئ والصوت المميز والبسمة التى لا تفارقه وحين لقائه بكل من
يلقاه وهو وأن كان سكندرى حتى النخاع – إلا أن أصوله ترجع إلى الشام حيث عائلة توكل
التى مازالت هناك وفروع لها بطنطا والإسكندرية
ولا
ينكر أى باحث منصف وهو يؤرخ لإذاعة الإسكندرية برنامج 60225 إذاعة وهو سهرة مع المستمعين ، ولعل جمال توكل هو أول
من أخترع الاتصالات التليفونية مع الإذاعة وبعد ذلك التليفزيون وهذا البرنامج هو
أول برنامج إذاعى يقدم على مدى ساعتين ويعتمد على مكالمات المستمعين التلفونية وحل
مشاكلهم فورا وبقدر المستطاع – وكان جمال توكل – فى هذا البرنامج يعرف كيف يبدأ وكيف ينتهى وكيف يحاور وكيف يقنع ،
فارتبط البرنامج بقلوب المستمعين – وكان هذا البرنامج مدرسة فى الفن الإذاعى ،
فقد كسر القوالب التقليدية استطاع أن يكسب حب وعطف الملايين – أنه كان يتحدث عن همومهم ومشاكلهم وأحزانهم.
لقد
قدم جمال توكل – خلال رحلة الإذاعة كثيرا كمن البرامج
الناجحة مثل نادى المستمعين ، و أول يوم على الهواء ، رسالة مفتوحة ، سندباد
إسكندرانى ، أنابيش إذاعية ، أضحك مع صاحبة الجلالة ...... ورغم نجاح هذا البرنامج
إلا أن أنجحها كان برنامج 60225 إذاعة.
صابر
مصطفى :
فقد
كان مقدم برامج ناجح ومذيع حريص على الكلمة – خطفه ميكروفون الإذاعة من شعره وأستحوذ عليه فلم يبقى له وقتا – ثم أصبح مديرا للإذاعة
وكان
صابر مصطفى يعشق الإذاعة ويظل يوميا حتى ساعة متأخرة
قدم
صابر مصطفى عدديا من البرامج : مع المحافظات فى أسبوع ، سهرة الأربعاء ، مجلة
الإسكندرية، صور زجلية ، بدون رتوش ، شكشكة ، وكان فى جعبته الكثير ، وقد تميزت
برامجه بالجمع بين المعلومة والخفة فى إطار المنوعات.
كتب
صابر مصطفى" إذاعة الإسكندرية ريادة
فى حقائق وأرقام "
إذا
كانت التنمية هى الشغل الشاغل للإذاعات المحلية فقد صاغت الإسكندرية عقدا تتجمع
تتجمع حباته حول صدرها بالكلمة وبالنغمة وبالدراما الإذاعية فى محاورات جماهير
المواطنين بكل فئاتهم ومناطق تجمعهم ، وكتب فى نفس الأوراق – تجربة خدمة المناطق الجديدة والمستصلحة تعد من أبرز ملامح الريادة
فى إذاعة الإسكندرية من خلال مجموعة تجارب ربامجية ، وكتب أن الدراما الإذاعية فى
إذاعة الإسكندرية ما تزال فوق القمة.
وقد
قاد صابر مصطفى الإذاعة فى أحلك اللحظات ومن وورائه مجموعة من الزملاء المخلصين
المحببين لإذاعتهم يبتكرون ويبدعون.
نبيلة
سنبل:
هى
رابع مدير لإذاعة الإسكندرية ، وهى أبنه إذاعة الشرق الأوسط ، وجاءت الإسكندرية
وهى ليست غريبة عنها – فهى من أصول سكندرية – هى إذاعية حتى النخاع فقد تشربت أسلوب إذاعة الشرق الأوسط والذى
كان يسرى فى كيانها. وهى تمتلك مخا متسعا ومدركا للكثير ، كما أنها صوت نقى متميز
، وقدره على أداء كل الألوان الإذاعية.
إذا
اقتربت من نبيلة سنبل فى هدوئها فهى كالبحر فى عطائها ، وإذا اقتربت منها فى
ثورتها فهى كالبحر فى ثورته وليس لديها إلا لونين الأبيض والأسود ، ولا تؤمن
بأنصاف أو أرباع الحلول ... كانت دائما تطالب بالمثالية فى أرض يتخللها أحيانا نوع
من النفاق ، حينما تولت نبيلة سنبل إذاعة الإسكندرية غيرت الخريطة وأسرعت بالإيقاع
، أوقفت برامج وأبقت على غيرها ابتكرت فترة صباح الخير يا الإسكندرية ، وقد سعت
إلى زيادة ساعات الإرسال وقد استعانت فى سعيها للتطوير ببعض المؤلفين من القاهرة ،
وقد كان هناك تطوير كبير فى عهدها فقد كانت تأخذ من هنا وهناك وتمزج هذا بذاك
لتخرج بشخصية مستقلة للإسكندرية.
نبيل
عاطف:
هو
الأديب والكاتب الذى وجد نفسه مديرا إذاعة الإسكندرية فى 18/10/1995 وأحيل للتقاعد
لبلوغ السن القانونى فى 18/7/1998
ونبيل
عاطف عاصر الإذاعة منذ بدايتها ، وعمل بالبرامج الثقافية وعن طريق البرامج
الثقافية ، وعن طريق المهرجانات الشعر تعرف على شعراء مصر والعرب بعشرات المؤلفين
والأدباء والشعراء وناقشهم ونقدهم وناقشوه ، وكانت البرامج الثقافية بإذاعة
الإسكندرية صالونات أدبية يتردد عليها كبار الأدباء والشعراء جاءوا من كل فج عميق
، وكما كتب حافظ عبد الوهاب _ أن البرامج الثقافية تقدم الفكر والفن بالثغر – فقد تقدمت البرامج الثقافية وأصبحت تقدم
برامج :ماذا يقرؤون ، مهرجان القراءة ، وقالت اللغة ، منارة الثقافة ، نبدأ من جديد
، أسأل تعرف ، تعرف للقراء ، عروس البحر والأقلام ، فنون من كل مكان ، الإسكندرية
فى أوراق المؤرخين ، انهم علمونى ، خطوط وألوان ، صور من الشعر ، غدا أفضل ، مع
هذا الأديب ، قيم وإبداعات ، كنوز البحر ، من أرشيف الإذاعة ، المجلة الثقافية ،
فنون شعبية ، إلا إذا ........
ونبيل
عاطف أرخ لإذاعة الإسكندرية فى كتاب القيم إذاعة الإسكندرية رائدة الإذاعات
الإقليمية ، لقد عرف نبيل عاطف الإذاعة إبان كان الراديو هو السيد الوحيد المسيطر
على الساحة ، ودخل الإذاعة عن حب وتقدير وقدره وكان من أكثر الناس عطاء وتسلح
بالثقافة حتى يمكن أن نطلق عليه الإذاعى المثقف أو المثقف الإذاعى
صبرى
عبد العال - خامس مدير لإذاعة الإسكندرية
هو
إنسان رقيق الطباع مجامل ، كان جم النشاط ومتحرك ونجده فى كل المناسبات ممسكا
ميكروفونه متحدثا لبقا ذا أسلوب راق فى الحوار ، ومشهود بأنه كان شعلة نشاط ، أمتد
نشاطه ليدخل السياسة من أوسع أبوابها ، رشح نفسه لعضوية مجلس الشعب ، وهو من جيل
المتميزين الذين لهم بصمة على إذاعة الإسكندرية ....وأن كان لم يمكث طويلا مديرا
لإذاعة الإسكندرية ..
إلا
إنه أدارها بكفاءة خاصة وأن تليفزيون الإسكندرية قد تقاسم مع الإذاعة مسمعيها منذ
بداية التسعينات ، وقد سلم صبرى عبد العال الراية للمديرة السادسة لإذاعة
الإسكندرية ..............
السيدة
عفاف المعداوى التى بدأت مع بدايات الإذاعة فعملت فى مكتب المشرف العام إلى أن
أصبحت مديرا لإدارة التنفيذ والمشرف على التمثيليات.
والسيدة
عفاف المعداوى صاحبة البسمة الوضاءه
الهادئة تعتبر أيضا من الأديبات آلاتى أثرتن الإذاعة بأفكارها وأمدتها بعصارة
فكرها وما زالت تتولى بكل اقتدار دفة الإذاعة بالرغم من نقص الإمكانيات والماديات
، ولعلها بجهدها ومثابرتها تخرج بإذاعة الإسكندرية إلى أوسع الأفق لتكمل المسيرة مسيرة
من سبقوها ومن تولوا أمر أول إذاعة إقليمية فى مصر.
تليفزيون الإسكندرية
ظهرت
فكرة القنوات المنفصلة مع بداية التليفزيون في مصر عام 1960حيث كانت تكنولوجيا
التليفزيون مقتصرة على البث أو الإرسال من صاري واحد في دائرة هو مركزها أقصى
اتساع لمدى الرؤى فيها 90 كيلو – ولم يكن هناك في تلك الفترة ما يسمى محطات
التقوية التي كانت تستقبل الإشارة التليفزيونية ثم ترسلها في خطوط مستقيمة إلى
صاري آخر في محطة تقوية أخرى وهكذا تتعدد حاليا محطات التقوية بين القاهرة
والإسكندرية . وعلى ذلك كانت المحطات التليفزيونية إقليمية في بداية عمل
التليفزيون عام 1960 – وكانت الأولى بالقاهرة تبث قناتين وأخرى بأسوان والثالثة
بالإسكندرية . وللتقدم السريع في إنشاء محطات التقوية لم تظهر إلى النور قناة
الإسكندرية حيث ألغيت فكرة القناة المستقلة بها بوصول إرسال القاهرة من خلال محطات
التقوية وظلت محطة أسوان ( الشيخ هارون ) حتى استكملت شبكة محطات التقوية إليها
وتوقفت وأصبح الإرسال التليفزيوني في مركزي من ذلك الوقت في نهاية 1963 .
في عام 1990 صدر قرار بإنشاء القناة المحلية ( قناة
الإسكندرية الثالثة ) بعد نجاح القناة المحلية الأولى ( القناة الثالثة ) بالقاهرة
الكبرى تلاها المحطة أو القناة المحلية الرابعة بالإسماعيلية في عهد محافظها السيد
/ عبد المنعم عمارة – وظهرت القناة المحلية الثالثة بالإسكندرية باسم القناة
الخامسة حيث أن الأولى والثانية هما القناتين المركزتين حيث يغطي إرسالها كافة
أنحاء الجمهورية إلا بعض المناطق النائية حيث يتم تغطيتها بواسطة الأقمار الصناعية
.
وبدأت القناة الخامسة بقوة جعلتها قناة شقيقة للأولى
والثانية بسبب إمكانات الإسكندرية البشرية ( شباب ومجتمع ) ولم تكن محلية بالمعنى
المفهوم حيث أن للإسكندرية وضع خاص ومكانة خاصة – فهي عاصمة ثقافية وهي
متروبوليتان بالمعنى الصحيح حيث يقطنها منذ بدء إنشائها في عهد الإسكندر وما قبله
وما بعده .
العديد من الجاليات الأجنبية وخاصة جاليات البحر المتوسط
يونان – وإيطاليون وفرنسيون وقبارصة ومالطيون وأشوام وأتراك وأرمن وفرنسيون وأسبان
ومغاربة وألبان – وبها العديد من المراكز الثقافية الأجنبية وقنصليات معظم الدول
ذات السفارات بالقاهرة . وهي مركز التجارة مصر وميناءها الأول محصور بين البحر
شمالا وبحيرة مريوط جنوبا والنيل شرقا والصحراء غربا فالزراعة متنوعة من الأرض
النيلية شرقا إلى الأراضي الصفراء غربا .
وبها القصور والعمارات الفريدة في تصميمها . وبدأت فيها
الصحافة والطباعة والسينما والمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية بأنواعها والمتاحف
والصالونات الثقافية والنوادي – وظهر فيها كتاب وشعراء وزجالين عظام وأساطين
الموسيقى والغناء .
وبها أكثر من جامعة ( جامعة الإسكندرية – الأزهرية –
الأكاديمية العربية – جامعة سنجور ) وأكثر من مركز بحثي في الزراعة والطب والعلوم
– وآثارها وعلماؤها منذ العصر الفرعوني والأفريقي والروماني والقبطي والإسلامي –
والوحيدة التي بها متحف يضم حضارتين كبيرتين الإغريقية والرومانية بشكل مكثف –
وهاهي مكتبة الإسكندرية تعيد للإسكندرية سمعتها ومجها الأول .
كل ذلك جعل من تليفزيون الإسكندرية أن يكون منارة تشارك في
استقطاب الشباب والعلماء من أبناء الإسكندرية وقاطنيها وكذلك أبناء البحيرة
بأفكارهم وأساليبهم وخرجت إلى النور في أشهر قليلة تنافس المحطتين المركزتين
بالأفكار والجرأة وتناولت برامجها الكثير من القضايا فاقت كل التوقعات حيث ولدت
بجانب أول محطة إذاعية إقليمية زهي إذاعة الإسكندرية التي أنشأها الرائد العظيم
حافظ عبد الوهاب .
وكما يقال رب ضارة نافعة فلم تحظ الإسكندرية بمبنى يليق
بتليفزيون الإسكندرية لعدم تقدير دورها الإعلامي فنشأت في أحضان وبين جنبات إذاعة
الإسكندرية والتي أعطتها أكبر أستديوهاتها ومع تواضعه بدأت به قناة الإسكندرية مما
إستدعى الأمر أن يخرج الشباب إلى خارج أسوار الإذاعة لعمل برامجهم بالكاميرات
المحمولة وكانت آخر صيحة في وسائل الإعلام بعد أن كانت قبلها يعتمد على شخص يحمل
الكاميرا وآخر يحمل المسجل يربطهما بكابل . ومن هنا ظهرت استخدامات الكاميرا
المحمولة وجرأتها في نقل الواقع مباشرة إلى المشاهد دخلت القصور والأزقة وفي
الزراعات والمتاجر والمراكز العلمية والبحثية ونقبت تحت كل حجر . وما زالت هناك على
مدى أحد عشر عاما العديد من البرامج المستمرة مثل : حديث الأصابع للصم والبكم
وكانت أول محطة تليفزيونية بالمنطقة تهتم بالمعاقين وتصل إليهم وتنقل مشاعرهم وما
زالت رائدة وتناولت الأقزام في حلقات عديدة وهناك كنوز الإسكندرية من قصور وفنون
العمارة التي لا تنضب .
والحقيقة أنه كان في الحسبان أن يكون للإسكندرية موقع
متميز لمبنى تليفزيونها واستديوهات وخصص للإسكندرية مساحة لعمل مبناها
واستديوهاتها ولكن بعد فوات الأوان حيث حولت مخصصاتها إلى محطات إقليمية أخرى
بالدلتا .
وهذا جعل القائمين على ادارة القناة الخامسة بحكم خبرتهم
أن تكون برامجهم الخارجية هي الأساس أن يكون الاعتماد كلية على الكاميرات
المحمولة وانفردت الإسكندرية بهذه النوعية
من البرامج وكانت رائدة وما زالت وبدأت بأربع ساعات زيدت إلى 6 ساعات ثم ثمانية
وتصل الآن إلى 14 ساعة وأحيانا إلى 18 ساعة في أيام أخرى خاصة في فصل الصيف .
ولقد خرجت إلى النور في أشهر قليلة تميزت برامجها بالجرأة
والأفكار الجديدة وظهر إرسالها المتميز في نفس عام 1990 وأفتتحها السيد رئيس
الجمهورية رسميا مع القناة الفضائية المصرية في 12/12/1990 . وانتقلت الأحداث
الهامة إلى الإسكندرية مع انتقال الرياسة إليها صيفا وكان أول هذه الأحداث
اجتياح العراق للأراضي الكويتية .
ثم توالت الأحداث الهامة ومنا أحداث أطفال الحجارة والصراع
الفلسطيني الإسرائيلي ووفود السياسيين والأمريكيين والإسرائيليين والعرب إلى
الإسكندرية في قصر رأس التين وبرج العرب وتألقت بشبابها والتف حولها أدباء وكتاب
وشعراء ومؤلفين وزجالين من الإسكندرية – وكانوا سعداء بقناة الإسكندرية وساهم
أطباء وعلماء جامعة الإسكندرية والأكاديمية العربية وعلماء الدين وغيرهم في هذه
القناة وخاصة غرفة الإسكندرية التجارية وما اكثر المحبين لهذه القناة – والذين سبق
لهم التعاون مع إذاعة الإسكندرية والتي بدأت عام 1954 كثالث الإذاعات المصرية بعد
البرنامج العام وصوت العرب .
أعلام
النهضة السكندريين منذ عهد محمد على
محمد على باشا (1768-1848)
مؤسس النهضة المصرية
ولد
عام 1768 بمدينة قولة، وهو من أصل ألبانى، كفله عمه طوسون فى حداثة سنه بعد وفاة
أبيه رئيس الحرس، ثم كفله الشوربجى صديق والده وحاكم قولة. التحق بالجيش ورقى إلى
رتبة قومندان فرقة، ثم اشتغل بالتجارة إلى سنة 1801، وقد قرر الباب العالى إرسال
حملة تركية لطرد الفرنسيين من مصر بمساعدة إنجلترا، وكان محمد على أحد أفراد القوة
البحرية التى اشتركت فى واقعة أبى قير.
ولما خرج الفرنسيون من مصر رقى إلى رتبة لواء، وعين قائداً لأربعة آلاف جندى
ألبانى. ثم أرسله خسرو باشا إلى الصعيد لمحاربة المماليك غدراً به، إلا أن محمد
على بذكائه استطاع عزل خسرو سنة 1803. وبحكمته وحسن سياسته تحبب إلى الشعب. وقد
عينه السلطان العثمانى والياً على مصر عام 1805 فبدأ عملية تحديث وتطوير مصر، حيث
يمكن تقسيم حكمه إلى فترتين: ففى الفترة الأولى اهتم بترسيخ حكمه والقضاء على
المماليك، والثانية تركزت على البناء
والتوسع الاقتصادى والعسكرى، وعمل على إقامة سلطة مركزية وضعت القوانين فنشطت
التجارة فى عهده وكل ما تحقق فى عهد محمد على يدل على أنه كان صاحب عقلية سبقت
زمانها، وأصبحت مصر فى عهده قوة اقتصادية وعسكرية هامة فى المنطقة، كما اهتم
بالزراعة ليس للاكتفاء الذاتى فحسب بل وللتصدير، وبدأ فى إدخال الصناعة الحديثة
إلى مصر. كما بدء فى بناء الجيش وتقويته وتسليحه تسليحاً حديثاً وبنى القوة
البحرية كما أقام صناعات النسيج باستعمال القطن المصرى المحلى، ووضع برنامجاً
للتوسع العسكرى على طرق التجارة التقليدية حتى وصل إلى الحجاز، وقضى على ثورة
الوهابيين ضد السلطة العثمانية عام 1818 واحتل السودان لتأمين وضع مصر، حتى أصبح
قوة يخشاها السلطان العثمانى. وتركز سعى محمد على على الاستقلال عن الدولة
العثمانية مع الإبقاء على الاتصال الثقافى معها. وقد بعث محمد على فى مدة الـ 45
سنة التى حكمها روحاً جديدة فى مصر، ونهض بها فى شتى نواحيها ومرافقها، فعنى بالرى
والتعليم والجيش والمالية والتجارة والصناعة والهندسة والموسيقى والطب. وأنشأ لها
المدارس والمصانع وأوفد البعثات إلى أوروبا. كما استقدم إليها خيرة العلماء
والفنيين. وانتشرت فى البلاد آثاره الخالدة، وخير الأدلة الآثار الإسلامية التى
تزدان بجملة منشئات معمارية تحمل اسمه فى شتى نواحى مصر، من مساجد وأسبلة ومصانع
وحصون، وقصور وقناطر ودار للمحفوظات ودار
لسك النقود، ودرة الآثار جميعاً مسجده الذى يشرف على القاهرة من علياء والذى دفن
به عام 1848 بالإضافة إلى قناطره الخيرية بالقاهرة.
أحمد
زكى باشا ( 1867 – 1934 م ) " شيخ العروبة "
ولد
بالإسكندرية وتخرج بمدرسة الحقوق بالقاهرة عام 1887 وأتقن الفرنسية وكان يجيد
الإنجليزية والإيطالية واللاتينية، والرائد المصرى الأول لإحياء الآداب العربية
والبحث عن ذخائر المخطوطات وتحقيقها، وهو العالمة الذى حقق عشرات القضايا والمواقف
والأعلام ، وهو أول مصرى عربى فى العصر الحديث زار "الأندلس" وأطلق
عليها ( الفردوس الإسلامى المفقود ) وصاحب المكتبة الذكية التى تضم 18 ألف مجلد ،
نقلت بعد وفاته إلى دار الكتب المصرية، وأول من أدخل "الترقيم" فى
كتاباتنا العربية الحديثة، والطواف الرحالة من الأستانة إلى برلين إلى باريس ألى
لندن من أجل التراث، وصاحب النسخة الأولى أو الثانية على الأقل من عشرات الكتب
العربية المفقودة، الرجل الذى صعد إلى القلاع، وزار المساجد والكنائس والمقابر
محققاً، للمواقع والآثار، والذى فتح له قصر "طوباقوبو بتركيا" بعد أربعة
قرون لنقل المخطوطات العربية، وصديق المستشرقين فى أنحاء العالم المعمورة، وهو
المترجم من الفرنسية، وقد سار شوطاً فى مجال الترجمة. وكان هذا هو عمله فيما بعد،
وهو الكاتب الذى آثر الصحافة اليومية على المجلات، والتأليف، وصاحب الأسلوب الجامع
بين العلم والطرافة والفكاهة والسخرية، والذى فاجأ القراء فى خلال أربعين سنة
بعشرات من الآراء المثيرة التى حققها ، والذى ترك أكثر من ألف مقالة مبعثرة فى
بطون الصحف والمجلات ، وقد تبين أن لدى الأهرام فهرساً كاملاً بها فى المؤيد
والمقطم والبلاغ والهلال والمقتطف والمشرق والمقتبس ومخطوطات الخزانة الذكية
وأضابيرها.
المرحلة الأخيرة من حياته ( 1921 – 1934 ) هى
أخصب الفترات، حيث نشر عشرات المقالات والأبحاث، وتوسع فى صلاته بزعماء العالم
العربى، وتوسط فى الخلاف بين اليمن والسعودية وانتدب لتحقيق الخلاف بين العرب
واليهود، فى شأن حائط المبكى وقضية البراق، وتوفى بالقاهرة عام 1934، ودفن فى قبر
أعده لنفسه فى مسجده بالجيزة ومن كتبه ، السفر إلى المؤتمر – وموسوعات العلوم
العربية – وأسرار الترجمة – وقاموس الأعلام القديمة، والدنيا فى باريس – وذيل
الأغانى – ومصر والجغرافيا – والتعليم فى مصر – وأربعة عشر يوماً سعداء فى خلافة
الأمير عبد الرحمن الناصر – ونتائج الأفهام فى تقويم العرب قبل الإسلام - والرق فى
الإسلام – وتاريخ الشرق – وقبيل الإعدام – وعجائب الأسفار فى أعماق البحار.
الشيخ عبد العزيز جاويش
[1876-1929] من رواد التربية والصحافة والاجتماع
خرج من أحشاء الشعب، ودفعه ذكاؤه وإيمانه
بشخصيته أن يهجر التجارة ويكمل تعليمه بالأزهر ويتركه إلى دار العلوم، فيبرز فيها
شاعراً وخطيباً. فإذا تخرج كان من المبعوثين إلى أوروبا، وبعد عودته يعين بالتفتيش
بوزارة المعارف ثم يعود مرة أخرى مدرسا للأدب العربى بجامعة كمبردج عام 1906 وتزوج
عام 1907 وصفه الذين عرفوه بأنه جمع صفات السماحة والصراحة والحياد والعنف، لكل
موقفه ولكل موضعه، ويقول عنه تلميذه طه حسين : أنه كان عذب الروح حلو الحديث فى
صدق واحتشام شديد الحياء وحاد المزاج يثور لأقل ما يتوهم فيه الغض من كرامته، على
أنه كان من صفاء النفس وطيبة القلب وخلوص النية بالمكان الأرفع، سمحا كريما يجود
بقوته، وأكبر مظاهره شدة العاطفة الدينية والوطنية التى تكاد تلتهب لو مست بأذى،
رحل جاويش إلى ألمانيا واضطر أن يحتطب فى الغابات ليكسب رزقه، وفر من تركيا معدما
لا يملك قوت يومه وعاد إليها فى عهد جديد فرفع مكاناً عالياً، وفى مصر لا يفتأ أن
ينتقل بين السجن والبيت فهذا وذاك له منزل، وهو عضو فى كل الجمعيات الخيرية
والنقابات. والإحسان فيه داء لا يهدأ فهو ينفق كل موارده فى إغاثة المنكوبين، شفوق
على الضعفاء، يفيض الدمع من عينيه عند سماعه شكاية البائسين. هاجم الاتجار
بالأوسمة والألقاب وبلغ من تمسكه بملبسه وزيه أن أقام فى اكسفورد سبع سنوات يلبس
العمامة والجبة ز يلقى الملوك بالرفعة والعزة ويلقى الفقراء والضعاف بالتواضع
ويسعى معهم إلى أمورهم. وصفه رشيد رضا رغم الصراع العنيف بينهما بأنه من أركان حزب
الإصلاح المعتدل، وقالت صحف الغرب: أنه رجل اقتبس مبادئ التجديد من الغرب أكثر من
أى إنسان حتى أصبح بين قومه فيلسوفا، واعترف له أعلام الفكر فى إنجلترا بالنبوغ
وأنه عالج وظيفته كمراقب للتعليم الأولي فى مصر عام 1926 بقدرة وهمة، وقام بواجبه
بجد وأمانة، وكانت فى أعماقه صورة جمال الدين الأفغانى حية نابضة كأنما كان يخطو
وراءه خطوات، وقد أتيح له أن يلقى مثل ما لقى من المشاق واستطاع أن يجمع أيضا
أسلوب محمد عبده فى التربية وبناء النفوس، وقد دعا فى المؤتمر الوطنى الذى انعقد
فى يناير 1910 إلى ضرورة إنشاء مدارس البساتين (رياض الأطفال) وقال أن هذه المدارس
هى التى تبنى التعليم فى مصر، وقد وجه جاويش جهده منذ اليوم الأول لعمله فى جريدة
اللواء إلى بث فكرة التربية كأساس للتعليم ولرفع مستوى الحياة الثقافية.
عبد الله النديم [1845-1896]
خطيب الثورة العرابية
ولد بالإسكندرية عام 1845 لأب عمل نجاراً
وخبازاً، أرسله والده لمسجد الشيخ إبراهيم لحفظ القرآن ودراسة العلوم الدينية، إلا
أنه أظهر ميلا لدراسة الأدب وتذوقه، فتردد
على مجالس الأدباء وكتب ونظم الشعر والزجل، ساعده عل هذا ذكاء فطرى وحافظة
قوية ، ولم تكن مهنته الأدب تدر الرزق. فعمل تلغرافيا بالقاهرة، مما أتاح له
الالتقاء بسامى البارودى ومحمود الساعاتى وعبد الله باشا فكرى والشيخ أحمد وهبى.
فى سنة 1879 أحس الحنين إلى الإسكندرية وهى ليست أقل نشاطا من القاهرة، فيها
جمعيات خيرية وطنية أهمها مصر الفتاة وهى جمعية تهدف إلى الإصلاح تعمل فى سرية
وبها صحف عربية مثل الأهرام، وجريدة مصر التى أنشأها أديب إسحاق ويحررها سليم نقاش
، وكان جمال الأفغانى وتلميذه محمد عبده ينشرون مقالاتهم فى جريدة مصر وأيضا عبد
النديم، وكانت الأفكار كلها متجهة فى هذا العصر إلى أن السر فى تأخر مصر والمصريين
إنما هو الجهل والخرافات المنتشرة، ولهذا كانت الدعوة التى تردد على الألسن هى
العمل على نشر التعليم. وفى عام 1879 أنشأ النديم الجمعية الخيرية الإسلامية
وغرضها تربية الناشئة وبث روح المعرفة فيهم، وأنشأت الجمعية مدرسة بالثغر لتعليم
الأيتام والفقراء بالمجان وعين النديم مديرا لها ورتبت لها وزارة المعارف إعانة
سنوية بعد زيارة الخديوى توفيق للمدرسة. واتجه النديم إلى الفن تأليفا وترجمة
وتمثيلا فألف روايتين هما الوطن وطالع التوفيق والعرب. واشترك فى تمثيلهما مع
تلاميذه على مسرح زيزينيا فى وجود الخديوى. غير أن الأيام لم تصف للنديم فقام خلاف
بينه وبين رجال الجمعية وانفصل عنها، وأنشأ جريدة التنكيت والتبكيت فى يونيه 1881
وهى أسبوعية أدبية هزلية هجومها تنكيت، ومدحها تبكيت، وقامت الثورة العرابية فوجدت
صدى قويا عند النديم ـ فرحل إلى القاهرة واتصل بعرابى وأصدر جريدة الطائف وأصبح
خطيب الثورة المفوّه ولسانها الناطق . ووقعت الحرب بين الإنجليز والمصريين، وتقهقر
عرابى إلى كفر الدوار فالتل الكبير ولحقه النديم، إلا أن الثورة العرابية أخفقت
وقبض على زعمائها وفر النديم لتسع سنوات ينتقل من بلدة ومن دار إلى دار دائم
التنكر وألف فى هذه الفترة كتابه الممتع "كان ويكون" وهى قصته فى الوفاء
وصدق العزيمة. وفى عام 1891 قبض عليه أثر وشاية وحقق معه قاسم أمين بصفته رئيس
النيابة آنذاك وأحسن معاملته وأصدر توفيق أمرا بنفيه، ولما توفى وولى العرش عباس
حلمى عفا عن النديم وسمح له بالعودة، والتقى بمصطفى كامل، وأنشأ صحفية الأستاذ عام
1892 لمؤازرة توفيق إلا أن الإنجليز أبعدوه إلى يافا ومنا إلى الأستانة بتركيا
فألتقى بأستاذه القديم جمال الدين الأفغانى الذى تعلق وارتبط به، وأدركه مرض السل
واشتد به ولى نداء ربه فى أكتوبر 1896 ودفن بالأستانة.
الشيخ سلامة حجازى (1852-1917) مؤسس النهضة
الغنائية المسرحية
ولد
سلامة التين بالإسكندرية، نشأ يتيماً بعد وفاة والده بثلاث سنوات، فى مجتمع تسوده
الفضائل وتوجهه الروحانيات وتحوطه تلاوة القرآن والصلوات، ألحق بالمدرسة الرمزية
لتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن، واشتغل صبياً لحلاق الحى المعلم فراج، وكانت
حلقات الذكر هى التى بعثت فى سلامة أول أثر فنى اتجه به نحو الموسيقى والغناء سر
موهبته، وكانت لآلة السلامية موضع خاص فى قلب الطفل وهى قصبة مجوفة من الغاب
مفتوحة الطرفين بها ستة ثقوب شائعة الاستعمال فى الموالد والأذكار، كما تأثر وتعلق
بصوت الناى العاطفى الرقيق وبنغماته الشجية، فاندفع إلى تعلمه حتى أجاده، واحتضنه
كامل الحريرى شيخ المنشدين بعد أن لاحظ حلاوة صوت هذا الصبى واستعان به لتأدية
الآهات، وشاءت عناية الله أن يهتم بدراسة الموسيقى، ولم يتشبت بالإنشاد خلال فترة
المراهقة اللهم حفظ الأذكار وتأديتها على الناى والسلامية، وعندما بلغ السادسة
عشرة تشعبت حياته الفنية لثلاث شعب، تلاوة القرآن وأداء الآذان وإنشاد القصائد
والمدائح النبوية، وقد تنبه الناس إلى رقة صوته وحلاوة أدائه. فأسند إليه افتتاح
حلقات الذكر بتلاوة القرآن وتهافتوا عليه ليقرأ لهم فى منازلهم بأجور مجزية، أتاحت
له تحمل مسئولية الإنفاق على أسرته، وتزوج سلامة من فتاة أحلامه عائشة وكان فى
الثانية والعشرين من عمره ورزق بمولوده الأول محمد، وعلت مكانته وارتدى القبة
والقفطان ولقب بالشيخ وجمع بين الدين والفن، وأصبح موضع تقدير وإجلال من الجماهير،
ودفعته رغبة ملحة للغناء فوق التخت تصاحبه الآلات، ولاقى النجاح وغمرت شهرته
الأوساط... إلى أن كان حريق الإسكندرية عام 1882 فهاجر إلى رشيد وتقلب الدهر عليه
حيث توفى ولده محمد ولحقت به الأم عائشة، فعاد إلى الإسكندرية، وصعد نجمه وعمت
شهرته وتوثقت صلته بأعلام الفن والغناء عبد الحامولى ومحمد عثمان وإبراهيم القبانى
وداوود حسنى ومحمد السبع وغيرهم وسجل الشيخ بصوته الكثير من الأدوار الخالدة على
اسطوانات أوديون وانضم الشيخ سلامة إلى فرقة قرداحى المسرحية عام 1885، وانتقل
بالأغنية والقصيدة من جو التخت إلى المسرح الفسيح، واشترك فى مسرحية "مى
وهوراس" التى استمر تمثيلها فى الأوبرا ثلاثين ليلة متتالية، كان الإقبال
عليها مطرداً، وأخرج المسرحيات الغنائية فى روايات هارون الرشيد – عائدة – الظلم – ليلى وغيرها. وانفصل الشيخ عن فرقة القرداحى
وكون فرقة أدارها بنفسه فى عام 1891 ثم انضم لفرقة إسكندر فرح حتى عام 1905.
سيد درويش (1892-1923) رائد
الموسيقى العربية
ولد
سيد درويش فى الإسكندرية بحى كوم الدكة سنة 1892، وكان لنشأته الشعبية أثر كبير فى
انتمائه. بدأ بحفظ القرآن الكريم منذ طفولته بالمعهد الدينى بالإسكندرية، ولم
يستكمل دراسته بسبب وفاة والده، وبدأ يرتل القرآن الكريم بصوته المعبر السليم فى
بعض البيوت نظير أجر، لجأ إلى الغناء فى "القهوة" وهى النادى الذى يجمع
المواطنين لشرب المشروبات والترفيه بالاستماع إلى الجوقة التى تغنى بعض الألحان
الجماعية. أو الاستماع إلى فرقة غنائية تتكون من أحد المغنين بمصاحبة عدد من
العازفين، ولقد اشتغل مع أحد المقاولين كعامل مناول للطوب ومواد البناء، ومن هذه
التجربة اكتسب روح التعاون والمحبة من أجل لقمة العيش، وغنى معهم ألحان البنائين
التى اكتشفها فى حياته العملية مع أهل الحى، حياة السقايين والنجارين والشيالين
والصنايعية، إن أهم ما يميز ألحان هؤلاء الحرفيين هو عنصر الإيقاع الموسيقى النابع
من لهجة كلامهم العادى والذى كساه الموسيقار سيد درويش بالنغم، وأبدع أغانيه هى
التى لحنها من صميم حياة الحرفيين.
خرج
سيد درويش إلى الحياة فتفتحت مداركه على أنواع من الموسيقى تختلف عن تلك التى تغذت
روحه من ينابيعها فى بيئته بكوم الدكة. أنشأ الشيخ سلامة حجازى فرقته التمثيلية
الغنائية الخاصة سنة 1905 وقدم سيد درويش لأول مرة للجمهور سنة 1916 حيث قال الشيخ
سلامة حجازى للجمهور احفظوا اسم هذا الشاب، واذكروا أنى فخور به معتز به.
قبل
أن يلحن للمسرح الغنائى تأثر بتراث الموشحات العربية الموروثة، وقد تعرف عليه من
أوساط المشايخ والموسيقيين المحترفين فى العالم الطرب والتلحين، فأبدع سيد درويش
أحد عشر موشحاً تعتبر من التراث الهام وأبدع عشرة أدوار غنائية مع العناية
بالتعبير الموسيقى لمعانى الكلمات مع بساطة ووضوح الأداء الذى يخدم التعبير لكى
يستعرض بها مهاراته فى الأداء، ومن هذه الأدوار "ضيعت حياتى" "أنا
عشقت" "أنا هويت وانتهيت" كما أبدع سيد درويش العديد من الأغانى
الخفيفة "الطقاطيق" التى استوحاها من التراث، واتجه إلى التلحين للمسرح
الغنائى حيث وجد الآفاق لازدهار موهبته فى التصوير الموسيقى لأبعاد الشخصيات
المسرحية، لذا يعتبر الموسيقار الأول الذى طور الأسس الفنية المتكاملة لهذه
الأشكال الغنائية المسرحية.
كما
يعتبر رائد التجديد فى المسرح الغنائى ولقد بلغ ذروة نضجه فى التلحين مسرحية
"شهر زاد" ومسرحية "البروكة" كما تأثر تأثراً عميقاً بالأحداث
السياسية والاجتماعية التى عاشها فى عصره، فعبر عن انتفاضة الشعب المصرى بكل فئاته
فى ثورة سنة 1919 دعماً للزعيم المصرى سعد زغلول للتخلص من الاحتلال البريطانى
وتحقيق الاستقلال. كما انعكست فى ألحانه التغيرات الاجتماعية التى نادت بتحرير المرأة
المصرية ودعوتها إلى المشاركة فى بناء المجتمع.
وقد
أدرك أن ثقافته الموسيقية المصرية جزء من الثقافة الموسيقية العربية فعمق دراسته
لها أثناء رحلاته إلى البلاد العربية عام 1923.
على
باشا إبراهيم (1880-1947) رائد النهضة
الطبية الحديثة
أصل
أبويه من فوه. ولد بالإسكندرية عام 1880، وحصل منها على الابتدائية عام 1892 وتخرج
من مدرسة الطب عام 1901 وقت أن كان نفوذ الطب الأجنبى طاغياً، أجرى أكثر من 35000
جراحة. وحظى بثلاثة عشر وساماً من دول
أجنبية، ونال دون تقدم للامتحان أرقى ثلاث مؤهلات طبية فخرية. ابتدأ حياته من طبيب أوبئة إلى مدير مستشفى إقليمى إلى رئيس للبعثة الطبية المصرية فى حرب
البلقان. إلى مساعد جراح بمستشفى القصر العينى، إلى أستاذ للجراحة فيه ومديراً له،
إلى عميد لكلية الطب، إلى صديق شخصى لأكابر الجراحين فى العالم، إلى وزير للصحة
إلى مدير للجامعة، خدمته النهضة المصرية عام 1919 فى جهودها لتقويض النفوذ الأجنبى وإقامة دعائم للنفوذ
الوطنى.
وقد
عمل الدكتور على باشا إبراهيم على نشر الثقافة الطبية بعدة رسائل، فاجتمع هو
وزملاء له سنة 1917 وقرروا إصدار مجلة طبية عرفت باسم المجلة الطبية المصرية
- وهو صاحب الامتياز للمجلة، واقترح بعد
ذلك تكوين الجمعية الطبية المصرية فتكونت
عام 1920. وأختير رئيساً له. ولم تقتصر جهوده على الناحية الطبية بل اتجه
فى خدمة المجتمع، فقد جمع أهل المهن
الطبية وحثهم على الانضمام إلى ثورة 1919 وخاضوا غمارها مع بقية طوائف الشعب. وجند
الأطباء لجمع التبرعات. وكان من أثر ذلك تشييد مصنع القرض للطرابيش ومصنع القرش
لغزل الصوف. وهما يومئذ مشروعان اقتصاديان
لهما شأن عظيم.
وفى الوقت الذى بلغ فيه التفاخر بالأنساب والأحساب
أشده كان الدكتور على إبراهيم يفخر بأصله المتواضع، بأبيه الفلاح وأمه
الإسكندرانية وبأخواته وإخوته. وكانت صورة أمه تعلو مكتبه لآخر أيام حياته، وكان
الدكتور على باشا إبراهيم شغوفاً بالأدب والشعر والفنون الجميلة كالتصوير والنحت
والموسيقى والغناء. ومشجعاً على حضور الندوات والمناظرات الأدبية والفنية ومعتقداً
أنها الوسيلة الأولى لارتقاء الجوانب الوجدانية والنفسية عند الإنسان، كما كان
ينصح مرضاه بضرورة مزاولة الإحساس والسماع الموسيقى والغناء لأهميتهما فى رفع
معنويات المرضى. لاسيما من أجريت لهم جراحات فهى تساهم فى تخفيف الآلام.
ولم
يكد على إبراهيم يتولى عمادة الطب عام 1929 حتى راح يجاهد ويجامل ويحرك الأمور
بلطف حتى أتيح له الحصول على الاعتمادات اللازمة لبناء مستشفى المنيل الجامعى.
وكان كلما فرغ من بناء بدأ فى آخر مستخدماً كل السبل والطرق المؤدية إلى تنفيذ
طموحاته. وكان يضع السلطة أمام الأمر الواقع حيث كان بذكائه ودبلوماسيته يقضى حاجة
كل وزير فى المستشفى والكلية بأسرع من البرق وما اكثر طلبات الوزراء والأعيان
والأشراف فى هذه النواحى. وسهلاً عليه أن يحقق لهم أغراضهم ولكن بعد أن يكون قد
نال من أى منهم للكلية وللمستشفى أية ميزة أو من الضرورة بمكان الحصول على أى
اعتماد يكون من شأنه القدرة على مزيد من البناء، ولذلك فإنه استطاع أن ينتشل الطب
المصرى من الذل والهوان من أيدى الأجانب الغرباء والذين كانوا يمثلون الغلبة
والنفوذ، وانتقل الطب إلى أيدى المصريين منذ هذه الفترة وأخذ الدم المصرى يملأ
شرايين كلية الطب على أيدى على إبراهيم صاحب الأنامل العبقرية التى عملت بمهارة
وحذق الفنان فى الجراحة، ولاشك أن التقدم العلمى اليوم للأطباء المصريين فى دول
أوروبا وأمريكا مرجعه بعد النظر الذى كان يميز شخصية على إبراهيم زعيم النهضة
الطبية فى مصر والعالم العربى والأفريقى. وصاحب السجل الحافل بمئات من صفحات المجد والفخار.
السيد
محمد كريم - بطل المقاومة الشعبية
وقف
هذا المجاهد الوطنى فى وجه الحملة الفرنسية الاستعمارية التى قادها نابليون
بونابرت عام 1798مفوضاً من حكومة بلاده
لاحتلال البلاد المصرية، وتزعم السيد/ محمد كريم حركة المقاموة الشعبية منذ وطأت
اقدام الغزاة أرض بلاده وبذل حياته فداء لوطنه وكان من الشهداء الخالدين.
وولد
السيد/ محمد كريم بحى الأنفوشى بالإسكندرية قبل منتصف القرن الثامن عشر الميلادى
وعين حاكماً للإسكندرية ومديراً لجماركها.
وفى
يوم 19 مايو 1798 أقلع أسطول فرنسى كبير مكون من 26 سفينة من ميناء طولون وبلغ
الإنجليز هذا النبأ وتوجسوا من هذه الحملة خيفة وعهدوا إلى نيلسون باقتفاء أثرها
وتدميرها، فقصد إلى مالطة وعلم هناك أن مركب نابليون غادرتها نحو الشرق منذ خمسة
أيام فرجح أنها تقصد الإقليم المصرى واتجه إلى الإسكندرية وبلغها يوم 28 يونيو
1798 فلم يعثر هناك للفرنسيين على أثر.
وقد وصل الأسطول الفرنسى غرب الإسكندرية عند العجمى فى أول يوليو 1798
وبادر بإنزال قواته ليلاً غ البر ثم سير قسماً من جيشه إلى الإسكندرية وصد نابليون
على الربوة المقام عليها عمود السوارى وكان ممثلى الإسكندرية وشاهد الأهلين
محتشدين بأعلى الأسوار فأصدر أوامره بالهجوم العام. وظل محمد كريم يقود المعركة ثم
اعتصم بقلعة قايتباى ومعه فريق من المقاتلين حتى فرغت ذخيرته فكف عن القتال ولم
يكن بد من التسليم ودخل نابليون المدينة وأعلن بها الأمان.
وفى
6 سبتمبر 1798 تم تنفيذ عقوبة الإعدام بأن أصدر نابليون بونابرت هذا الأمر ونفذ فى
السيد محمد كريم بميدان الرميلة بالقاهرة.
وهكذا
انتهت حياة هذا الشهيد الشجاع.
حسن
الإسكندرانى "أمير البحر"
ولد
زكريا حسن الاسكندرانى بالإسكندرية عام 1790م ثم أرسل فى فجر شبابه عام 1818 فى
بعثة بحرية إلى ثغر طولون بفرنسا حيث كان يتخرج ضباط البحرية الفرنسية. وفى كلية
طولون البحرية درسوا فن البحر والرياضيات وتدربوا فى دار الصناعة
"الترسانة" وفى السفينة المدرسية خارج الميناء. وبعد البعثة أسندت غليه
إحدى المراكب الصغيرة التى كانت تسمى بالأباريق.. فاستطاع أن يأسر بها سفينتين
يونانيتين ويعود بهما إلى الإسكندرية ومنحته الدولة داراً بحى "أبو
وردة".
وفى
20 أكتوبر 1827 حدثت موقعة نفارين البحرية المعروفة وكان حسن الإسكندرانى قائداً
للسفينة الحربية المصرية (إحسانية) إحدى
سفن الأسطول المصرى الذى يقوده محرم بك وعدد قطعه 31 سفينة وفى الموقعة التى دبرها
الإنجليز لتحطيم الأسطول المصرى وما كان معه من السفن التركية كى لا تنافسهم تلك
القوة الناشئة فى سيادة البحر. وأشرك الإنجليز معهم فى تلك الموقعة الأسطولين
الفرنسى والروسى بحجة حماية استقلال اليونان.
وبدأ
التحدى.. فرست السفن الإنجليزية والفرنسية على مقربة من السفن المصرية والتركية فى
صفوف وكانت المراكب المصرية راسية فى الوسط والأسطول العثمانى إلى يمينها ويسارها
على شكل هلال كبير، فكان المصريون بهذا الوضع مقيدين يعوزهم المكان الفسيح اللازم
لتحركاتهم وأكثر استهدافاً لمدافع العدو.
وأطلقت
السفينة الفرنسية "سيرين" أول قذيفة على "إحسانية" المقيدة فى
مكانها وردت إحسانية على هذه الضربة بمثلها واستمرت بقيادة حسن الإسكندرانى تطلق
مدافعها إلى النهاية وتحطمت فى هذه المعركة 24 سفينة ولكن لمن تستسلم للعدو سفينة
واحدة ولم تؤسر سفينة واحدة ولا جندى مصرى واحد فى هذه الواقعة التاريخية التى شبت
غدراً ولم تشرف المعتدى.
وفى
يونيو 1837 عين حسن الإسكندرانى وزيراً للبحرية، وفى نوفمبر 1838 كان الأسطول
المصرى بفضله فى مقدمة أساطيل العالم بعد أسطول إنجلترا وفرنسا.
والواقع
أن تحصين الإسكندرية وشواطئها وضواحيها ومنها بوقير يرجع الفضل فيه كله تقريباً إلى
يقظة حسن الإسكندرانى المستمرة ثم إلى مساعديه، ويوجد بحديقة الخالدين الآن
تمثالاً تخليداً لذكره.
قاسم أمين (1836م-1908م)
كان
المصلح الاجتماعى قاسم أمين والمقرون اسمه
بحرية تحرير المرأة – سكندرى المولد والنشأة. وقد وضع عن سيرته
وجهوده عدد من الكتب وكتب عنه الكثير من المقالات والدراسات وخلدت أعماله وكتاباته
ذكره.
ولد
قاسم أمين بالإسكندرية فى أول ديسمبر عام 1863 وسافر إلى فرنسا لدراسة القانون
فيما بين عامى 1882-1885 وهناك لمس الحريات التى سادت المجتمع الفرنسى سواء فى
مشاركة المرأة الرجل فى كثير من العمال أم
فى الصحافة والنشر أم فى الحياة السياسية.
وفى
عام 1894م نشر بالفرنسية بعنوان "المصريون" وأخذ ينشر فى جريدة المؤيد – فيما بين 1895-1897 مقالات بتوقيع
"السائح" ثم نشر عام 1899 كتابه (تحرير المرأة) ونشر عام 1906 كتاباً
بعنوان (كلمات قاسم أمين) وأسهم فى مشروع إنشاء الجامعة المصرية القديمة. وتوفى فى
23/4/1958م.
أما
دعوته إلى تحرير المرأة – فقد أثمرت بعده أحسن الثمار وتشارك المرأة العربية اليوم أخاها
الرجل مختلف أعبائه فى جميع الميادين.
أعلام النهضة السكندريين منذ عهد محمد على
محمد على باشا
(1768-1848)
ولد
عام 1768 بمدينة قولة، وهو من أصل ألبانى، كفله عمه طوسون فى حداثة سنه بعد وفاة
أبيه رئيس الحرس، ثم كفله الشوربجى صديق والده وحاكم قولة. التحق بالجيش ورقى إلى
رتبة قومندان فرقة، ثم اشتغل بالتجارة إلى سنة 1801، وقد قرر الباب العالى إرسال
حملة تركية لطرد الفرنسيين من مصر بمساعدة إنجلترا، وكان محمد على أحد أفراد القوة
البحرية التى اشتركت فى واقعة أبى قير.
ولما خرج الفرنسيون من مصر رقى إلى رتبة لواء، وعين قائداً لأربعة آلاف جندى
ألبانى. ثم أرسله خسرو باشا إلى الصعيد لمحاربة المماليك غدراً به، إلا أن محمد
على بذكائه استطاع عزل خسرو سنة 1803. وبحكمته وحسن سياسته تحبب إلى الشعب. وقد
عينه السلطان العثمانى والياً على مصر عام 1805 فبدأ عملية تحديث وتطوير مصر، حيث
يمكن تقسيم حكمه إلى فترتين: ففى الفترة الأولى اهتم بترسيخ حكمه والقضاء على
المماليك، والثانية تركزت على البناء
والتوسع الاقتصادى والعسكرى، وعمل على إقامة سلطة مركزية وضعت القوانين فنشطت
التجارة فى عهده وكل ما تحقق فى عهد محمد على يدل على أنه كان صاحب عقلية سبقت
زمانها، وأصبحت مصر فى عهده قوة اقتصادية وعسكرية هامة فى المنطقة، كما اهتم
بالزراعة ليس للاكتفاء الذاتى فحسب بل وللتصدير، وبدأ فى إدخال الصناعة الحديثة
إلى مصر. كما بدء فى بناء الجيش وتقويته وتسليحه تسليحاً حديثاً وبنى القوة
البحرية كما أقام صناعات النسيج باستعمال القطن المصرى المحلى، ووضع برنامجاً
للتوسع العسكرى على طرق التجارة التقليدية حتى وصل إلى الحجاز، وقضى على ثورة
الوهابيين ضد السلطة العثمانية عام 1818 واحتل السودان لتأمين وضع مصر، حتى أصبح
قوة يخشاها السلطان العثمانى. وتركز سعى محمد على على الاستقلال عن الدولة
العثمانية مع الإبقاء على الاتصال الثقافى معها. وقد بعث محمد على فى مدة الـ 45
سنة التى حكمها روحاً جديدة فى مصر، ونهض بها فى شتى نواحيها ومرافقها، فعنى بالرى
والتعليم والجيش والمالية والتجارة والصناعة والهندسة والموسيقى والطب. وأنشأ لها
المدارس والمصانع وأوفد البعثات إلى أوروبا. كما استقدم إليها خيرة العلماء
والفنيين. وانتشرت فى البلاد آثاره الخالدة، وخير الأدلة الآثار الإسلامية التى
تزدان بجملة منشئات معمارية تحمل اسمه فى شتى نواحى مصر، من مساجد وأسبلة ومصانع
وحصون، وقصور وقناطر ودار للمحفوظات ودار
لسك النقود، ودرة الآثار جميعاً مسجده الذى يشرف على القاهرة من علياء والذى دفن
به عام 1848 بالإضافة إلى قناطره الخيرية بالقاهرة.
أحمد زكى باشا
( 1867 – 1934 م )
" شيخ العروبة "
ولد
بالإسكندرية وتخرج بمدرسة الحقوق بالقاهرة عام 1887 وأتقن الفرنسية وكان يجيد
الإنجليزية والإيطالية واللاتينية، والرائد المصرى الأول لإحياء الآداب العربية
والبحث عن ذخائر المخطوطات وتحقيقها، وهو العالمة الذى حقق عشرات القضايا والمواقف
والأعلام ، وهو أول مصرى عربى فى العصر الحديث زار "الأندلس" وأطلق
عليها ( الفردوس الإسلامى المفقود ) وصاحب المكتبة الذكية التى تضم 18 ألف مجلد ،
نقلت بعد وفاته إلى دار الكتب المصرية، وأول من أدخل "الترقيم" فى
كتاباتنا العربية الحديثة، والطواف الرحالة من الأستانة إلى برلين إلى باريس ألى
لندن من أجل التراث، وصاحب النسخة الأولى أو الثانية على الأقل من عشرات الكتب
العربية المفقودة، الرجل الذى صعد إلى القلاع، وزار المساجد والكنائس والمقابر
محققاً، للمواقع والآثار، والذى فتح له قصر "طوباقوبو بتركيا" بعد أربعة
قرون لنقل المخطوطات العربية، وصديق المستشرقين فى أنحاء العالم المعمورة، وهو
المترجم من الفرنسية، وقد سار شوطاً فى مجال الترجمة. وكان هذا هو عمله فيما بعد،
وهو الكاتب الذى آثر الصحافة اليومية على المجلات، والتأليف، وصاحب الأسلوب الجامع
بين العلم والطرافة والفكاهة والسخرية، والذى فاجأ القراء فى خلال أربعين سنة
بعشرات من الآراء المثيرة التى حققها ، والذى ترك أكثر من ألف مقالة مبعثرة فى
بطون الصحف والمجلات ، وقد تبين أن لدى الأهرام فهرساً كاملاً بها فى المؤيد
والمقطم والبلاغ والهلال والمقتطف والمشرق والمقتبس ومخطوطات الخزانة الذكية
وأضابيرها.
المرحلة الأخيرة من حياته ( 1921 – 1934 ) هى
أخصب الفترات، حيث نشر عشرات المقالات والأبحاث، وتوسع فى صلاته بزعماء العالم
العربى، وتوسط فى الخلاف بين اليمن والسعودية وانتدب لتحقيق الخلاف بين العرب واليهود،
فى شأن حائط المبكى وقضية البراق، وتوفى بالقاهرة عام 1934، ودفن فى قبر أعده
لنفسه فى مسجده بالجيزة ومن كتبه ، السفر إلى المؤتمر – وموسوعات العلوم العربية –
وأسرار الترجمة – وقاموس الأعلام القديمة، والدنيا فى باريس – وذيل الأغانى – ومصر
والجغرافيا – والتعليم فى مصر – وأربعة عشر يوماً سعداء فى خلافة الأمير عبد
الرحمن الناصر – ونتائج الأفهام فى تقويم العرب قبل الإسلام - والرق فى الإسلام –
وتاريخ الشرق – وقبيل الإعدام – وعجائب الأسفار فى أعماق البحار.
الشيخ عبد العزيز جاويش
[1876-1929]
من رواد التربية والصحافة والاجتماع
خرج من أحشاء الشعب،
ودفعه ذكاؤه وإيمانه بشخصيته أن يهجر التجارة ويكمل تعليمه بالأزهر ويتركه إلى دار
العلوم، فيبرز فيها شاعراً وخطيباً. فإذا تخرج كان من المبعوثين إلى أوروبا، وبعد
عودته يعين بالتفتيش بوزارة المعارف ثم يعود مرة أخرى مدرسا للأدب العربى بجامعة
كمبردج عام 1906 وتزوج عام 1907 وصفه الذين عرفوه بأنه جمع صفات السماحة والصراحة
والحياد والعنف، لكل موقفه ولكل موضعه، ويقول عنه تلميذه طه حسين : أنه كان عذب
الروح حلو الحديث فى صدق واحتشام شديد الحياء وحاد المزاج يثور لأقل ما يتوهم فيه
الغض من كرامته، على أنه كان من صفاء النفس وطيبة القلب وخلوص النية بالمكان
الأرفع، سمحا كريما يجود بقوته، وأكبر مظاهره شدة العاطفة الدينية والوطنية التى
تكاد تلتهب لو مست بأذى، رحل جاويش إلى ألمانيا واضطر أن يحتطب فى الغابات ليكسب
رزقه، وفر من تركيا معدما لا يملك قوت يومه وعاد إليها فى عهد جديد فرفع مكاناً
عالياً، وفى مصر لا يفتأ أن ينتقل بين السجن والبيت فهذا وذاك له منزل، وهو عضو فى
كل الجمعيات الخيرية والنقابات. والإحسان فيه داء لا يهدأ فهو ينفق كل موارده فى
إغاثة المنكوبين، شفوق على الضعفاء، يفيض الدمع من عينيه عند سماعه شكاية
البائسين. هاجم الاتجار بالأوسمة والألقاب وبلغ من تمسكه بملبسه وزيه أن أقام فى
اكسفورد سبع سنوات يلبس العمامة والجبة ز يلقى الملوك بالرفعة والعزة ويلقى
الفقراء والضعاف بالتواضع ويسعى معهم إلى أمورهم. وصفه رشيد رضا رغم الصراع العنيف
بينهما بأنه من أركان حزب الإصلاح المعتدل، وقالت صحف الغرب: أنه رجل اقتبس مبادئ
التجديد من الغرب أكثر من أى إنسان حتى أصبح بين قومه فيلسوفا، واعترف له أعلام
الفكر فى إنجلترا بالنبوغ وأنه عالج وظيفته كمراقب للتعليم الأولي فى مصر عام 1926
بقدرة وهمة، وقام بواجبه بجد وأمانة، وكانت فى أعماقه صورة جمال الدين الأفغانى
حية نابضة كأنما كان يخطو وراءه خطوات، وقد أتيح له أن يلقى مثل ما لقى من المشاق
واستطاع أن يجمع أيضا أسلوب محمد عبده فى التربية وبناء النفوس، وقد دعا فى
المؤتمر الوطنى الذى انعقد فى يناير 1910 إلى ضرورة إنشاء مدارس البساتين (رياض
الأطفال) وقال أن هذه المدارس هى التى تبنى التعليم فى مصر، وقد وجه جاويش جهده
منذ اليوم الأول لعمله فى جريدة اللواء إلى بث فكرة التربية كأساس للتعليم ولرفع
مستوى الحياة الثقافية.
عبد الله النديم
[1845-1896]
خطيب الثورة العرابية
ولد بالإسكندرية عام
1845 لأب عمل نجاراً وخبازاً، أرسله والده لمسجد الشيخ إبراهيم لحفظ القرآن ودراسة
العلوم الدينية، إلا أنه أظهر ميلا لدراسة الأدب وتذوقه، فتردد على مجالس الأدباء وكتب ونظم الشعر والزجل،
ساعده عل هذا ذكاء فطرى وحافظة قوية ، ولم تكن مهنته الأدب تدر الرزق. فعمل
تلغرافيا بالقاهرة، مما أتاح له الالتقاء بسامى البارودى ومحمود الساعاتى وعبد
الله باشا فكرى والشيخ أحمد وهبى. فى سنة 1879 أحس الحنين إلى الإسكندرية وهى ليست
أقل نشاطا من القاهرة، فيها جمعيات خيرية وطنية أهمها مصر الفتاة وهى جمعية تهدف
إلى الإصلاح تعمل فى سرية وبها صحف عربية مثل الأهرام، وجريدة مصر التى أنشأها
أديب إسحاق ويحررها سليم نقاش ، وكان جمال الأفغانى وتلميذه محمد عبده ينشرون
مقالاتهم فى جريدة مصر وأيضا عبد النديم، وكانت الأفكار كلها متجهة فى هذا العصر
إلى أن السر فى تأخر مصر والمصريين إنما هو الجهل والخرافات المنتشرة، ولهذا كانت
الدعوة التى تردد على الألسن هى العمل على نشر التعليم. وفى عام 1879 أنشأ النديم
الجمعية الخيرية الإسلامية وغرضها تربية الناشئة وبث روح المعرفة فيهم، وأنشأت
الجمعية مدرسة بالثغر لتعليم الأيتام والفقراء بالمجان وعين النديم مديرا لها
ورتبت لها وزارة المعارف إعانة سنوية بعد زيارة الخديوى توفيق للمدرسة. واتجه
النديم إلى الفن تأليفا وترجمة وتمثيلا فألف روايتين هما الوطن وطالع التوفيق
والعرب. واشترك فى تمثيلهما مع تلاميذه على مسرح زيزينيا فى وجود الخديوى. غير أن
الأيام لم تصف للنديم فقام خلاف بينه وبين رجال الجمعية وانفصل عنها، وأنشأ جريدة
التنكيت والتبكيت فى يونيه 1881 وهى أسبوعية أدبية هزلية هجومها تنكيت، ومدحها
تبكيت، وقامت الثورة العرابية فوجدت صدى قويا عند النديم ـ فرحل إلى القاهرة واتصل
بعرابى وأصدر جريدة الطائف وأصبح خطيب الثورة المفوّه ولسانها الناطق . ووقعت
الحرب بين الإنجليز والمصريين، وتقهقر عرابى إلى كفر الدوار فالتل الكبير ولحقه
النديم، إلا أن الثورة العرابية أخفقت وقبض على زعمائها وفر النديم لتسع سنوات
ينتقل من بلدة ومن دار إلى دار دائم التنكر وألف فى هذه الفترة كتابه الممتع
"كان ويكون" وهى قصته فى الوفاء وصدق العزيمة. وفى عام 1891 قبض عليه
أثر وشاية وحقق معه قاسم أمين بصفته رئيس النيابة آنذاك وأحسن معاملته وأصدر توفيق
أمرا بنفيه، ولما توفى وولى العرش عباس حلمى عفا عن النديم وسمح له بالعودة،
والتقى بمصطفى كامل، وأنشأ صحفية الأستاذ عام 1892 لمؤازرة توفيق إلا أن الإنجليز
أبعدوه إلى يافا ومنا إلى الأستانة بتركيا فألتقى بأستاذه القديم جمال الدين
الأفغانى الذى تعلق وارتبط به، وأدركه مرض السل واشتد به ولى نداء ربه فى أكتوبر
1896 ودفن بالأستانة.
الشيخ سلامة حجازى
(1852-1917)
مؤسس النهضة الغنائية المسرحية
ولد سلامة التين
بالإسكندرية، نشأ يتيماً بعد وفاة والده بثلاث سنوات، فى مجتمع تسوده الفضائل
وتوجهه الروحانيات وتحوطه تلاوة القرآن والصلوات، ألحق بالمدرسة الرمزية لتعلم
القراءة والكتابة وحفظ القرآن، واشتغل صبياً لحلاق الحى المعلم فراج، وكانت حلقات
الذكر هى التى بعثت فى سلامة أول أثر فنى اتجه به نحو الموسيقى والغناء سر موهبته،
وكانت لآلة السلامية موضع خاص فى قلب الطفل وهى قصبة مجوفة من الغاب مفتوحة
الطرفين بها ستة ثقوب شائعة الاستعمال فى الموالد والأذكار، كما تأثر وتعلق بصوت
الناى العاطفى الرقيق وبنغماته الشجية، فاندفع إلى تعلمه حتى أجاده، واحتضنه كامل
الحريرى شيخ المنشدين بعد أن لاحظ حلاوة صوت هذا الصبى واستعان به لتأدية الآهات،
وشاءت عناية الله أن يهتم بدراسة الموسيقى، ولم يتشبت بالإنشاد خلال فترة المراهقة
اللهم حفظ الأذكار وتأديتها على الناى والسلامية، وعندما بلغ السادسة عشرة تشعبت حياته
الفنية لثلاث شعب، تلاوة القرآن وأداء الآذان وإنشاد القصائد والمدائح النبوية،
وقد تنبه الناس إلى رقة صوته وحلاوة أدائه.
فأسند إليه افتتاح
حلقات الذكر بتلاوة القرآن وتهافتوا عليه ليقرأ لهم فى منازلهم بأجور مجزية، أتاحت
له تحمل مسئولية الإنفاق على أسرته، وتزوج سلامة من فتاة أحلامه عائشة وكان فى
الثانية والعشرين من عمره ورزق بمولوده الأول محمد، وعلت مكانته وارتدى القبة
والقفطان ولقب بالشيخ وجمع بين الدين والفن، وأصبح موضع تقدير وإجلال من الجماهير،
ودفعته رغبة ملحة للغناء فوق التخت تصاحبه الآلات، ولاقى النجاح وغمرت شهرته
الأوساط... إلى أن كان حريق الإسكندرية عام 1882 فهاجر إلى رشيد وتقلب الدهر عليه
حيث توفى ولده محمد ولحقت به الأم عائشة، فعاد إلى الإسكندرية، وصعد نجمه وعمت
شهرته وتوثقت صلته بأعلام الفن والغناء عبد الحامولى ومحمد عثمان وإبراهيم القبانى
وداوود حسنى ومحمد السبع وغيرهم وسجل الشيخ بصوته الكثير من الأدوار الخالدة على
اسطوانات أوديون وانضم الشيخ سلامة إلى فرقة قرداحى المسرحية عام 1885، وانتقل
بالأغنية والقصيدة من جو التخت إلى المسرح الفسيح، واشترك فى مسرحية "مى
وهوراس" التى استمر تمثيلها فى الأوبرا ثلاثين ليلة متتالية، كان الإقبال
عليها مطرداً، وأخرج المسرحيات الغنائية فى روايات هارون الرشيد –
عائدة – الظلم – ليلى وغيرها. وانفصل الشيخ عن فرقة القرداحى
وكون فرقة أدارها بنفسه فى عام 1891 ثم انضم لفرقة إسكندر فرح حتى عام 1905.
سيد درويش
(1892-1923)
رائد الموسيقى
العربية
ولد سيد درويش فى الإسكندرية بحى كوم الدكة
سنة 1892، وكان لنشأته الشعبية أثر كبير فى انتمائه. بدأ بحفظ القرآن الكريم منذ
طفولته بالمعهد الدينى بالإسكندرية، ولم يستكمل دراسته بسبب وفاة والده، وبدأ يرتل
القرآن الكريم بصوته المعبر السليم فى بعض البيوت نظير أجر، لجأ إلى الغناء فى
"القهوة" وهى النادى الذى يجمع المواطنين لشرب المشروبات والترفيه
بالاستماع إلى الجوقة التى تغنى بعض الألحان الجماعية. أو الاستماع إلى فرقة
غنائية تتكون من أحد المغنين بمصاحبة عدد من العازفين، ولقد اشتغل مع أحد
المقاولين كعامل مناول للطوب ومواد البناء، ومن هذه التجربة اكتسب روح التعاون
والمحبة من أجل لقمة العيش، وغنى معهم ألحان البنائين التى اكتشفها فى حياته
العملية مع أهل الحى، حياة السقايين والنجارين والشيالين والصنايعية، إن أهم ما
يميز ألحان هؤلاء الحرفيين هو عنصر الإيقاع الموسيقى النابع من لهجة كلامهم العادى
والذى كساه الموسيقار سيد درويش بالنغم، وأبدع أغانيه هى التى لحنها من صميم حياة
الحرفيين.
خرج سيد درويش إلى الحياة فتفتحت مداركه على
أنواع من الموسيقى تختلف عن تلك التى تغذت روحه من ينابيعها فى بيئته بكوم الدكة.
أنشأ الشيخ سلامة حجازى فرقته التمثيلية الغنائية الخاصة سنة 1905 وقدم سيد درويش
لأول مرة للجمهور سنة 1916 حيث قال الشيخ سلامة حجازى للجمهور احفظوا اسم هذا
الشاب، واذكروا أنى فخور به معتز به.
قبل أن يلحن للمسرح الغنائى تأثر بتراث
الموشحات العربية الموروثة، وقد تعرف عليه من أوساط المشايخ والموسيقيين المحترفين
فى العالم الطرب والتلحين، فأبدع سيد درويش أحد عشر موشحاً تعتبر من التراث الهام
وأبدع عشرة أدوار غنائية مع العناية بالتعبير الموسيقى لمعانى الكلمات مع بساطة
ووضوح الأداء الذى يخدم التعبير لكى يستعرض بها مهاراته فى الأداء، ومن هذه
الأدوار "ضيعت حياتى" "أنا عشقت" "أنا هويت
وانتهيت" كما أبدع سيد درويش العديد من الأغانى الخفيفة "الطقاطيق"
التى استوحاها من التراث، واتجه إلى التلحين للمسرح الغنائى حيث وجد الآفاق
لازدهار موهبته فى التصوير الموسيقى لأبعاد الشخصيات المسرحية، لذا يعتبر
الموسيقار الأول الذى طور الأسس الفنية المتكاملة لهذه الأشكال الغنائية المسرحية.
كما يعتبر رائد التجديد فى المسرح الغنائى
ولقد بلغ ذروة نضجه فى التلحين مسرحية "شهر زاد" ومسرحية
"البروكة" كما تأثر تأثراً عميقاً بالأحداث السياسية والاجتماعية التى
عاشها فى عصره، فعبر عن انتفاضة الشعب المصرى بكل فئاته فى ثورة سنة 1919 دعماً
للزعيم المصرى سعد زغلول للتخلص من
الاحتلال البريطانى
وتحقيق الاستقلال. كما انعكست فى ألحانه التغيرات الاجتماعية التى نادت بتحرير
المرأة المصرية ودعوتها إلى المشاركة فى بناء المجتمع.
وقد أدرك
أن ثقافته الموسيقية المصرية جزء من الثقافة الموسيقية العربية فعمق دراسته لها
أثناء رحلاته إلى البلاد العربية عام 1923.
على باشا إبراهيم
(1880-1947)
رائد النهضة الطبية الحديثة
أصل أبويه من فوه.
ولد بالإسكندرية عام 1880، وحصل منها على الابتدائية عام 1892 وتخرج من مدرسة الطب
عام 1901 وقت أن كان نفوذ الطب الأجنبى طاغياً، أجرى أكثر من 35000 جراحة. وحظى
بثلاثة عشر وساماً من دول أجنبية، ونال
دون تقدم للامتحان أرقى ثلاث مؤهلات طبية فخرية. ابتدأ حياته من طبيب أوبئة إلى مدير مستشفى إقليمى إلى رئيس للبعثة الطبية المصرية فى حرب
البلقان. إلى مساعد جراح بمستشفى القصر العينى، إلى أستاذ للجراحة فيه ومديراً له،
إلى عميد لكلية الطب، إلى صديق شخصى لأكابر الجراحين فى العالم، إلى وزير للصحة
إلى مدير للجامعة، خدمته النهضة المصرية عام 1919 فى جهودها لتقويض النفوذ الأجنبى وإقامة دعائم للنفوذ
الوطنى.
وقد عمل الدكتور على باشا إبراهيم على نشر
الثقافة الطبية بعدة رسائل، فاجتمع هو وزملاء له سنة 1917 وقرروا إصدار مجلة طبية
عرفت باسم المجلة الطبية المصرية - وهو
صاحب الامتياز للمجلة، واقترح بعد ذلك تكوين الجمعية الطبية المصرية فتكونت عام 1920. وأختير رئيساً له. ولم تقتصر جهوده
على الناحية الطبية بل اتجه فى خدمة المجتمع، فقد جمع أهل المهن الطبية وحثهم على الانضمام إلى ثورة 1919
وخاضوا غمارها مع بقية طوائف الشعب. وجند الأطباء لجمع التبرعات. وكان من أثر ذلك
تشييد مصنع القرض للطرابيش ومصنع القرش لغزل
الصوف. وهما يومئذ مشروعان اقتصاديان لهما شأن عظيم.
وفى
الوقت الذى بلغ فيه التفاخر بالأنساب والأحساب أشده كان الدكتور على
إبراهيم يفخر بأصله المتواضع، بأبيه الفلاح وأمه الإسكندرانية وبأخواته وإخوته.
وكانت صورة أمه تعلو مكتبه لآخر أيام حياته، وكان الدكتور على باشا إبراهيم شغوفاً
بالأدب والشعر والفنون الجميلة كالتصوير والنحت والموسيقى والغناء. ومشجعاً على
حضور الندوات والمناظرات الأدبية والفنية ومعتقداً أنها الوسيلة الأولى لارتقاء
الجوانب الوجدانية والنفسية عند الإنسان، كما كان ينصح مرضاه بضرورة مزاولة
الإحساس والسماع
الموسيقى والغناء لأهميتهما فى رفع معنويات
المرضى. لاسيما من أجريت لهم جراحات فهى تساهم فى تخفيف الآلام.
ولم يكد على إبراهيم
يتولى عمادة الطب عام 1929 حتى راح يجاهد ويجامل ويحرك الأمور بلطف حتى أتيح له
الحصول على الاعتمادات اللازمة لبناء مستشفى المنيل الجامعى. وكان كلما فرغ من
بناء بدأ فى آخر مستخدماً كل السبل والطرق المؤدية إلى تنفيذ طموحاته. وكان يضع
السلطة أمام الأمر الواقع حيث كان بذكائه ودبلوماسيته يقضى حاجة كل وزير فى
المستشفى والكلية بأسرع من البرق وما اكثر طلبات الوزراء والأعيان والأشراف فى هذه
النواحى. وسهلاً عليه أن يحقق لهم أغراضهم ولكن بعد أن يكون قد نال من أى منهم
للكلية وللمستشفى أية ميزة أو من الضرورة بمكان الحصول على أى اعتماد يكون من شأنه
القدرة على مزيد من البناء، ولذلك فإنه استطاع أن ينتشل الطب المصرى من الذل
والهوان من أيدى الأجانب الغرباء والذين كانوا يمثلون الغلبة والنفوذ، وانتقل الطب
إلى أيدى المصريين منذ هذه الفترة وأخذ الدم المصرى يملأ شرايين كلية الطب على
أيدى على إبراهيم صاحب الأنامل العبقرية التى عملت بمهارة وحذق الفنان فى الجراحة،
ولاشك أن التقدم العلمى اليوم للأطباء المصريين فى دول أوروبا وأمريكا مرجعه بعد
النظر الذى كان يميز شخصية على إبراهيم زعيم النهضة الطبية فى مصر والعالم العربى
والأفريقى. وصاحب السجل الحافل بمئات من صفحات
المجد والفخار.
السيد/ محمد كريم
بطل المقاومة الشعبية
وقف هذا المجاهد
الوطنى فى وجه الحملة الفرنسية الاستعمارية التى قادها نابليون بونابرت عام 1798مفوضاً من حكومة بلاده لاحتلال البلاد
المصرية، وتزعم السيد/ محمد كريم حركة المقاموة الشعبية منذ وطأت اقدام الغزاة أرض
بلاده وبذل حياته فداء لوطنه وكان من الشهداء الخالدين.
وولد السيد/ محمد
كريم بحى الأنفوشى بالإسكندرية قبل منتصف القرن الثامن عشر الميلادى وعين حاكماً
للإسكندرية ومديراً لجماركها.
وفى يوم 19 مايو 1798
أقلع أسطول فرنسى كبير مكون من 26 سفينة من ميناء طولون وبلغ الإنجليز هذا النبأ
وتوجسوا من هذه الحملة خيفة وعهدوا إلى نيلسون باقتفاء أثرها وتدميرها، فقصد إلى
مالطة وعلم هناك أن مركب نابليون غادرتها نحو الشرق منذ خمسة أيام فرجح أنها تقصد
الإقليم المصرى واتجه إلى الإسكندرية وبلغها يوم 28 يونيو 1798 فلم يعثر هناك
للفرنسيين على أثر.
وقد وصل الأسطول الفرنسى غرب الإسكندرية عند
العجمى فى أول يوليو 1798 وبادر بإنزال قواته ليلاً غ البر ثم سير قسماً من جيشه
إلى الإسكندرية وصد نابليون على الربوة المقام عليها عمود السوارى وكان ممثلى ***
الإسكندرية وشاهد الأهلين محتشدين بأعلى الأسوار فأصدر أوامره بالهجوم العام.
وظل محمد كريم يقود المعركة ثم اعتصم بقلعة
قايتباى ومعه فريق من المقاتلين حتى فرغت ذخيرته فكف عن القتال ولم يكن بد من
التسليم ودخل نابليون المدينة وأعلن بها الأمان.
وفى 6 سبتمبر 1798 تم تنفيذ عقوبة الإعدام بأن
أصدر نابليون بونابرت هذا الأمر ونفذ فى السيد محمد كريم بميدان الرميلة بالقاهرة.
وهكذا انتهت حياة هذا الشهيد الشجاع.
حسن الإسكندرانى "أمير البحر"
ولد زكريا حسن الاسكندرانى بالإسكندرية عام
1790م ثم أرسل فى فجر شبابه عام 1818 فى بعثة بحرية إلى ثغر طولون بفرنسا حيث كان
يتخرج ضباط البحرية الفرنسية. وفى كلية طولون البحرية درسوا فن البحر والرياضيات
وتدربوا فى دار الصناعة "الترسانة" وفى السفينة المدرسية خارج الميناء.
وبعد البعثة أسندت غليه إحدى المراكب الصغيرة التى كانت تسمى بالأباريق.. فاستطاع
أن يأسر بها سفينتين يونانيتين ويعود بهما إلى الإسكندرية ومنحته الدولة داراً بحى
"أبو وردة".
وفى 20 أكتوبر 1827 حدثت موقعة نفارين البحرية
المعروفة وكان حسن الإسكندرانى قائداً للسفينة الحربية المصرية (إحسانية) إحدى سفن الأسطول المصرى
الذى يقوده محرم بك وعدد قطعه 31 سفينة وفى الموقعة التى دبرها الإنجليز لتحطيم
الأسطول المصرى وما كان معه من السفن التركية كى لا تنافسهم تلك القوة الناشئة فى
سيادة البحر. وأشرك الإنجليز معهم فى تلك الموقعة الأسطولين الفرنسى والروسى بحجة
حماية استقلال اليونان.
وبدأ التحدى.. فرست السفن الإنجليزية
والفرنسية على مقربة من السفن المصرية والتركية فى صفوف وكانت المراكب المصرية
راسية فى الوسط والأسطول العثمانى إلى يمينها ويسارها على شكل هلال كبير، فكان
المصريون بهذا الوضع مقيدين يعوزهم المكان الفسيح اللازم لتحركاتهم وأكثر
استهدافاً لمدافع العدو.
وأطلقت السفينة الفرنسية "سيرين"
أول قذيفة على "إحسانية" المقيدة فى مكانها وردت إحسانية على
هذه الضربة بمثلها
واستمرت بقيادة حسن الإسكندرانى تطلق مدافعها إلى النهاية وتحطمت فى هذه المعركة
24 سفينة ولكن لمن تستسلم للعدو سفينة واحدة ولم تؤسر سفينة واحدة ولا جندى مصرى
واحد فى هذه الواقعة التاريخية التى شبت غدراً ولم تشرف المعتدى.
وفى يونيو 1837 عين
حسن الإسكندرانى وزيراً للبحرية، وفى نوفمبر 1838 كان الأسطول المصرى بفضله فى
مقدمة أساطيل العالم بعد أسطول إنجلترا وفرنسا.
والواقع أن تحصين
الإسكندرية وشواطئها وضواحيها ومنها بوقير يرجع الفضل فيه كله تقريباً إلى يقظة
حسن الإسكندرانى المستمرة ثم إلى مساعديه، ويوجد بحديقة الخالدين الآن تمثالاً
تخليداً لذكره.
قاسم أمين
(1836م-1908م)
كان المصلح الاجتماعى قاسم أمين والمقرون اسمه بحرية تحرير
المرأة – سكندرى المولد والنشأة. وقد وضع عن سيرته
وجهوده عدد من الكتب وكتب عنه الكثير من المقالات والدراسات وخلدت أعماله وكتاباته
ذكره.
ولد قاسم أمين
بالإسكندرية فى أول ديسمبر عام 1863 وسافر إلى فرنسا لدراسة القانون فيما بين عامى
1882-1885 وهناك لمس الحريات التى سادت المجتمع الفرنسى سواء فى مشاركة المرأة
الرجل فى كثير من العمال أم فى الصحافة
والنشر أم فى الحياة السياسية.
وفى عام 1894م نشر
بالفرنسية بعنوان "المصريون" وأخذ ينشر فى جريدة المؤيد –
فيما بين 1895-1897 مقالات بتوقيع "السائح" ثم نشر عام 1899 كتابه
(تحرير المرأة) ونشر عام 1906 كتاباً بعنوان (كلمات قاسم أمين) وأسهم فى مشروع
إنشاء الجامعة المصرية القديمة. وتوفى فى 23/4/1958م.
أما دعوته إلى تحرير
المرأة – فقد أثمرت بعده أحسن الثمار وتشارك المرأة العربية اليوم أخاها
الرجل مختلف أعبائه فى جميع الميادين.
الأستاذ الدكتور محمد درى باشا
[1841-1900]
الطبيب الجراح
ولد
محمد درى بقرية محلة أبو على إحدى ضواحى المحلة الكبرى ، وتلقى التعليم الابتدائى
والثانوى ، ثم التحق بمدرسة المهندسخانة عندما كان ناظرها على باشا مبارك ، ولكن
هذا الشاب كان متعلقا بدراسة الطب ، فطلب من أستاذه معاونته على الالتحاق بالمدرسة
، واقتنع على مبارك وساعده فى الالتحاق بمدرسة الطب ، وفجأة ألغى الوالى سعيد باشا
مدرسة الطب وأمر بإلحاق طلابها بالجيش . ووجد محمد درى نفسه جنديا ، ولم ييأس ،
فاستمر فى دراسة الطب من الكتب التى استطاع الوصول إليها ، ثم عمل ممرضا ، وأعاد
سعيد باشا فتح المدرسة ، فعاد إليها محمد درى وأتم دراسته بنجاح باهر ، فعين معيدا
للجراحة بالمدرسة ، ثم سافر فى بعثة إلى فرنسا للتزود بأحدث ما وصل إليه الطب هناك
، وكان الطبيب محمد درى أصغر المبعوثين وأنبغهم وأكثرهم علما ، وبقى وحده فى باريس
سبع سنوات ، أتم دراسته على أشهر الجراحين ، حيث قام الوالى إسماعيل باشا بإرجاع
زملائه الآخرين وأبقاه وحده فى فرنسا وشمله برعايته بعد أن سمع من أساتذته بنبوغه
ومهارته ، ثم عاد إلى مصر ليشغل منصب كبير الجراحين فى مستشفى قصر العينى ،
والأستاذ الأول للجراحة بمدرسة الطب ، وانهالت عليه الرتب والألقاب ومنها الباشوية
، وذاعت شهرته وأصبح نجم الجراحة الأول . ولقد عرف عنه أنه يقتنى مكتبة علمية
نفيسة تضم أهم المراجع خاصة فى مجال التشريح ، وقرر الدكتور درى تدريس الطب باللغة
العربية وأن هذا لا يمنع إطلاقا من الرجوع إلى كتب الطب بأى لغة لمن يرغب فى رفع
مستواه العلمى ، وأنشأ الدكتور درى مطبعته الخاصة وسماها المطبعة الدرية لطباعة
الكتب الطبية . وجعل مقرها فى حارة
السقايين ، ومن أول الكتب التى ألفها وطبعها فى أربعة مجلدات كتاب بلوغ المرام فى
جراحة الأجسام ، ثم طبع كتابه الإسعافات الصحية فى الأمراض الوبائية ، كما طبع
الكثير من الكتب الطبية للأساتذة الذى يعملون معه فى القصر العينى ، ولم ينس فضل
أستاذه على باشا مبارك فأصدر عن تاريخ هذا الرجل كتابا طبعه أيضا فى مطبعته ، وكان
الكتاب الوحيد فى غير علوم الطب الذى طبع بمطبعته ، ولم يدخر جهدا أو مالاً فى
سبيل تحقيق أمل حياته فى ترجمة وطبع كل فروع المعرفة الطبية ، إلا أن الموت عاجله
عام 1900 ولم يتبقى من سيرته الذاتية وحياته العظيمة سوى لوحة تحمل اسمه فى أحد
شوارع حى العجوزة هو "شارع الدرى" رحمه الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق